تأمل دقيق في قوله تعـــــــــــــــــــــالى: (أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ)
لابن سعـــــــــــــــــــــدي_رحمه الله_
السلام عليكم ورحمــــــــــــة الله
قال تعالى في سورة فاطر: {يَا أَيُّهَاالنَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُإِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}:
يخاطب تعالى جميع الناس، ويخبرهم بحالهم ووصفهم، وأنهم فقراءإلى اللّه من جميع الوجوه:
فقراءفي إيجادهم، فلولا إيجاده إياهم، لم يوجدوا.
فقراءفي إعدادهم بالقوى والأعضاء والجوارح، التي لولا إعدادهإياهم [بها]، لما استعدوا لأي عمل كان.
فقراء في إمدادهم بالأقوات والأرزاق والنعم الظاهرة والباطنة،فلولافضله وإحسانه وتيسيره الأمور،لما حصل [لهم] من الرزق والنعم شيء.
فقراء في صرف النقم عنهم، ودفع المكاره، وإزالة الكروب والشدائد.فلولا دفعه عنهم،وتفريجه لكرباتهم، وإزالته لعسرهم، لاستمرت عليهم المكاره والشدائد.
فقراء إليه في تربيتهم بأنواع التربية، وأجناس التدبير.
فقراء إليه، في تألههم له، وحبهم له، وتعبدهم، وإخلاص العبادة له تعالى، فلو لم يوفقهم لذلك، لهلكوا،وفسدت أرواحهم، وقلوبهم وأحوالهم.
فقراء إليه،في تعليمهم ما لا يعلمون، وعملهم بما يصلحهم، فلولاتعليمه، لم يتعلموا، ولولا توفيقه،لم يصلحوا.
فهم فقراء بالذات إليه، بكل معنى، وبكل اعتبار، سواء شعروا ببعضأنواع الفقرأم لم يشعروا.
ولكن الموفق منهم، الذي لا يزال يشاهد فقره في كل حال من أمور دينه ودنياه، ويتضرع له،ويسأله أن لا يكله إلى نفسه طرفة عين، وأن يعينه على جميع أموره، ويستصحب هذا المعنى في كل وقت، فهذا أحرى بالإعانة التامة من ربه وإلهه، الذي هو أرحم به من الوالدة بولدها.
(وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)أي: الذي له الغنى التام من جميع الوجوه، فلا يحتاج إلى ما يحتاج إليه خلقه،ولايفتقر إلى شيء مما يفتقر إليه الخلق، وذلك لكمال صفاته، وكونها كلها، صفات كمال،ونعوت وجلال.
ومن غناه تعالى:أنه أغنى الخلق في الدنيا والآخرة، الحميد في ذاته،وأسمائه، لأنها حسنى، وأوصافه، لكونها عليا، وأفعاله لأنها فضل وإحسان وعدل وحكمة ورحمة،وفي أوامره ونواهيه، فهو الحميد على ما فيه، وعلى ما منه، وهو الحميد في غناه [الغني في حمده].