أصول التربية والتزكية في الإسلام وقواعد السير إلى الله تعالى أصول التربية والتزكية في الإسلام وقواعد السير إلى الله تعالى أصول التربية والتزكية في الإسلام وقواعد السير إلى الله تعالى أصول التربية والتزكية في الإسلام وقواعد السير إلى الله تعالى
قال الإمام السيد محمد ماضي أبو العزائمالطريق والحاجة إليهما احتياج المسلم إلى الطريق ؟ كل مسلم على يقين أنه مسافر إلى الدار الآخرة ، وأهل الإيمان منهم مسافرون إلى مقر رحمة الله ودار النعيم الأبدي ، وأهل الإحسان مسافرون إلى مقعد صدق عند مليك مقتدر ، وأهل الإيقان مسافرون فرارا من الكونين إلى المكون جل جلاله . ولما كان المسافر إلى مكان ناء لا يخلو حاله : إما أن يكون عالما بالطريق متمرنا عليه أولا ، فإن كان عالما به احتاج إلى رفيق يعينه على مهام شئونه ، حتى يكون على يقين من أنه إذا نسى ذكره وإذا ذكر أعانه ، وفى الحكمة : ( الرفيق قبل الطريق ) وإن كان جاهلا بالطريق احتاج إلى دليل موثوق به مشهور بين الناس بتوصيل السفر. هذا ولما كان المسافر لا بد أن يترك وراءه كل الآثار والمعالم التي تحول بينه وبين نيل المقصد من وطنه ، وأهله ، وأولاده ، وأقاربه ، حتى يتسنى له نيل هذا المقصد العظيم ، فكذلك المسافر إلى مقصد من المقاصد المتقدمة لا بد أن يفارق معالم وأثارا كثيرة تحجبه وتبعده عن مقصده ، والحُجُب في السفر المعنوي أكثف وأشد من الحُجُب في السفر الحسي .فقد وصل العقل إلى مقدمات أنتجت له التكلم مع المحبوب النائي عنه بواسطة الموصل السلكي ( المسرة ) ، وأمكن العقل أن يضبط صدى صوت حبيبه محفوظا لديه، يسمعه متى شاء بآلة تعقيب الصدى الحاكي ( الفنغراف ) ولكن هذا المقصد ليس للعقل اقتدار أن يقربه بآلة أو بأداة ، بل لا بد من فادح المجاهدات ، وعظيم المكافحات ، حتى يفارق كل تلك القواطع والحجب مرة واحدة ، وبدون مفارقتها لا يصل كما وصل الحس بمجهودات العقل ، فسمع صوت حبيبه محفوظا أو ملفوظا ، وقد يرى حبيبه بالتصوير وهو متكيء على فراشه ينظر إليه في الصورة ويسمع صوته في الآلة ، وذلك لأن الذي يفارقه المسافر إلى الحق حقائق في ذات الشخص لا تفارقه إلا بفادح المجهود ، وما دامت تغشى جوهر النفس ، فالنفس في اللبس . ولو حصل المسلم علوم الأولين والآخرين ولم يظفر بدليل في مقام جهالته بالطريق أو برفيق في مقام علمه به لا يصل إلى قصده ، ولو أن الله جل جلاله قدر ذلك في أزله لأظهر ذلك في ملائكته المجردين عن المادة ولوازمها ، أو منح ذلك رسله الكرام ، فإن الله تعالى ألزم الملائكة أن يتلقوا من آدم ، وأمر الرسل أن يتلقوا من جبريل ، وقد صحب جبريل رسول الله ﴿ ص وآله﴾ في إسرائه وفى سيره وهو من تعلم جلالة وقدرا حفظا للناموس الإلهي ، حتى ينفرد جل جلاله بالعلم بذاته لذاته.هذا من حيث ما يتعلق بهذا الموضوع عقلا ، أما من حيث الذوق فيه، فإن العلم كالمال والعافية والجاه يكسب النفس غرورا وعلوا ، وهما العقبتان القاطعتان عن الله تعالى ، ولو أن العلم ينفع في السير إلى الله تعالى لكان أول منتفع به إبليس ، وهو من تعلم علما ومعرفة بقدر نفسه وعلمه ، ولما لم يكن له مرشد يرشده ضل وهوى. إن الله أرسل الرسل وهو الحكيم العليم لأنه خلق الخلق خطائين بأنفسهم ، جهلاء بحسب حقائقهم ، وإنما المرشد للسالك منزل منزلة القوت للروح والعقل علما ، والغذاء للجسم عملا ، ومنزل للواصل منزلة الشمس المبينة للحقائق ، ومنزل لأهل التمكين بمنزلة الاتحاد ، حتى يكون المتمكن مع المرشد هو هو ، حالا وعقيدة وعملا وشهودا ، وأنت تعلم ياولدى أن الجسم الحي يفقد حياته بفقد الغذاء ، وأن العين المبصرة تخفى عليها الحقائق باحتجاب الشمس ، وأن المتمكن قربا من الله تعالى يفقد كرامة الله له بفقد ما به وصل إلى الله تعالى. وإنما سميت مجاهدة النفس وتهذيبها ، وتجملها بمحاب الله ومراضيه طريقا ؛ لأن الإنسان في هذا المقام يفارق عوائده المهملة ، وأخلاقه الوحشية ، وهمته الإبليسية ، وصفاته البهيمية الشهوانية ، حتى يكون أشبه برسول الله ﴿ ص وآله﴾ . وما أعظم هذا الذي يفارقه وما أشد احتياجه إلى معين قوي مؤثر معتقد فيه. وهناك فوق الذوق إشارة فسلم : إن الله تعالى ظهر لملائكته في مظهره ، وظهر جل جلاله للسالك المخلص آمرا ناهيا مبينا في مظهره الأكمل خاتم الأنبياء صلوات الله عليه وآله ، وظهر ﴿ ص وآله﴾ في المرشد فيصل لصاحبه حتى تبلغ العقيدة به مبلغ أنه يرى مخالفته مخالفة لرسول الله ﴿ ص وآله﴾.لذلك كان لا بد من الرفيق في الطريق . يقول ﴿ ص وآله﴾ : ( اللهم ارحم خلفائي ) وخلفاؤه ﴿ ص وآله﴾ هم العلماء الربانيون الذين يحيون سنته بعد مواتها . ويقول الله تعالى : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) النساء: ٨٣ وأولوا الأمر منهم هم الذين منحهم الله الفقه في دينه لأنهم أهل أمر الله تعالى ، ومن لم يعتقد أن له مرشدا يصحح عليه حاله فهو مغرور بعيد عن الحق . وهنا أنبه السالك أن يحفظ الموازين مع أكمل المرشدين ، وألا يقبل من المرشد في كل مرتبة من مراتب السلوك إلا ما يعلمه من كتاب الله وسنة رسوله ﴿ ص وآله﴾ صريحا أو تأويلا ، حتى يبلغ مقام الإلهام، ولديها يجب أن يؤول للمرشد ، فإن لم يبلغ بتأويله فهم الحكم سلم له ، ووقف عن العمل ، حتى يمنحه الله نورا تستبين له به الحقيقة، فإن المرشد إنما يزكي نفوس المريدين ، فهو طبيب روحاني يجب على السالك أن يتعاطى عقاقيره التي لا تخرجه عن آداب الشريعة ، مهما كانت ؛ كما إذا أمره بالأسباب وهو في التجريد ، أو بالتجريد وهو في الأسباب ، وأمثال ذلك. ما يناله السالك بانتسابه للطريق : الطريق والصراط والمنهج ألفاظ مترادفة يراد بها ما يسهل به الوصول إلى المقصد ، آمنا سالكه على نفسه وماله من وعثاء السفر ، أو سوء المنقلب . وقد قررنا فيما سبق أن السالك إلى الله تعالى يفارق حقائق كثيرة ، لا يتسنى له الوصول ما دام واقفا عندها ، وكل حقيقة من تلك الحقائق كجبل سَدّ مَسلَكَ المسافر إلى الله تعالى . ولما كانت أسس الدين أربعة : العقيدة ، والعبادة ، والمعاملة ، والأخلاق . وكانت النجاة متوقفة على الأساس الأول الذي هو العقيدة، وعلى قدر قوتها يكون الوصول ، فإن أصحاب رسول الله ﴿ ص وآله﴾ سبقونا بقوة الإيمان وسبقنا التابعون بوسعة العلم ونحن جئنا بكثرة العمل . ولا تسو بقوة الإيمان شيئا ، فنحن في حاجة إلى قوة الإيمان ولو جهلنا كل شيء إلا ما لا بد منه لنا ، وتركنا كل عمل إلا ما فرضه الله علينا ، إذ وسعة العلم وكثرة العمل مع ضعف الإيمان لا تجدي شيئا ، ولكن العقيدة الحقة تنتج العبادة الحقة والأخلاق الجميلة والمعاملة الحسنة ، والرعاية التي تجعل المسلم حاضرا مع الله أو موقنا بحضور الله معه ، يقول ﴿ ص وآله﴾ : " ....... فإن لم تكن تراه فإنه يراك ". هذا والقائمون بالدعوة إلى الله أنواع ، فخيرهم وأنفعهم من جمله الله تعالى بقوة الإيمان ، وبمعرفته سبحانه ، وبعلم حكمته وأيامه وأحكامه ، وهذا هو وارث رسول الله ﴿ ص وآله﴾ ، وهو السعادة العظمى لمن سلم له ، وحصن الأمن لمن اقتدى به ، وهو المعنى بقوله ﴿ ص وآله﴾ في الحديث القدسي عن الله : ( من آذى لي وليا آذنته بالحرب ) ، لأنه الصورة الكاملة لرسول الله ﴿ ص وآله﴾ ، والخليفة القائم لله بالله ، مجدد المنهاج ، ومقيم الحجة ، ومبين المحجة، وهو المراد بقول الله تعالى : (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) فاطر: ٢٨. ثم يلي هذا الفرد رجل منحه الله الورع في دينه والخشوع في عبادته ، وهو الزاهد العابد. ثم يلي هذا رجل منحه الله الرحمة في قلبه والشفقة على عباد الله وهو من أهل المعاملة.ثم يلى هذا رجل زكى الله نفسه ، وطهر أخلاقه حتى ذلت نفسه في عينه ، وهو المتخلق بالأخلاق الجميلة. وكل واحد من هؤلاء يُجَمّل السالكَ على يده بما جمله الله به ، وكلنا نعلم أن الله يهب على الأخلاق ما لا يهبه على غيرها ، فكل مسلم لا يتربى على يد مرشد لا يذوق لذة الإيمان ، ولا لذة التقوى ، وربما اغتر بأعماله فأفسد إبليس عليه حاله ، وكم سالك زلت به قدمه ، وواصل ارتد على وجهه ، ولا أمان لمكر الله ، فالسالك على يد المرشد في حصون الأمن من وسوسة الشيطان وخدع النفس ، وبه ينال الرقي إلى مقامات اليقين من التوبة ، والخوف ، والرجاء ، والمحبة ، والتوكل ، والمشاهدة ، والرضا ، والصبر ، وغيرها ، حتى يبلغ مقام المقربين ، ويكون مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين . إذا يتعين على كل مسلم أن يتلقى تلك الأسرار ، وأن يقتدي بالمرشد في الأعمال ليكون أشبه الناس برسول الله ﴿ ص وآله﴾ ، وكل مسلم لم يتلق العلم من العالم الرباني ولم يقتد بالمرشد الكامل يخشى عليه من الشرك الخفي ، أو الأخفى ، من الغرور بالنفس والعمل والنسب والجاه ، نسأل الله السلامة من الآفات في الهجرة إلى الله تعالى ، إنه مجيب الدعاء . أنواع الإنسان أربعة : إنسان كلي : وهو رسول الله ﴿ ص وآله﴾ . وإنسان كامل : وهم الرسل القائمون مقامه ﴿ ص وآله﴾ ، قبل إشراق شمسه المحمدية في عالم الإمكان ، وأبداله صلوات الله عليه المجددون لسنته بعد رفعه عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى . وإنسان روحاني : وهم السالكون المقتدون . وأما الرابع : فحيواني عاص من المسلمين ، أو شيطاني غاو كافر أو منافق . وقد اقتضت الحكمة الإلهية أن يخلق الإنسان وسطا بين العالمين ، وأن يخفى عنه ما به سعادته الروحانية ، وأن يلهمه ما به سعادته الدنيوية ، قال سبحانه : (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) النحل: ٧٨. ومعلوم أن السمع والأبصار والأفئدة آلات لتحصيل العلم بالله وبأيام الله وبأحكام الله ، فالأذن تصغى للحكمة ، والعين تشهد أنواع الآيات في الكائنات والقلب يفقه تلك العلوم . أما ما يتعلق بالضروري والكمالي من الدنيا ، فلا يتوقف تحصيله على مرشد ، لأن كل أنواع الحيوان ألهمت بالفطرة طريق تحصيل ما لا بد لها منه ، والولد يولد من بطن أمه عالما بما به حفظ حياته من الرضاع إلهاما من الله تعالى.ولما كانت العلوم والأعمال التي بها نيل مراضي الله ومحابه ليس للعقل أن يحصلها إلا بمرشد ، اقتضت الإرادة الإلهية أن يبعث الرسل مبشرين ومنذرين . ولما كان ما جاء به الرسل صلوات الله وسلامه عليهم ، قد يخفى فهمه على أكثر الناس بعد رفعهم إلى الرفيق الأعلى تفضل الله تعالى فأناب عنهم أبدالا لهم ، يقيمون حججه ويوضحون محاجه ، ويبينون للناس سبله سبحانه ، لنحكم على عجز العقل عن نيل ما به السعادة ، بل وعن هجومه على الغيب المصون ، قال تعالى : (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) القيامة: ١٩ فهو المبين سبحانه ، ولكن يتفضل تنزلا فيبين لكل مرتبة من المراتب على قدر ما تطيقه القلوب ، قال تعالى : (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا) الأنعام: ٩ وقال عليه الصلاة والسلام : (رحم الله خلفائي) وقال صلوات الله عليه وسلامه : ( يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها ) . ومعلوم أن السالك في طريق الله تعالى إذا لم يؤسس سيره على محبة الله ، ومحبة رسوله ﴿ ص وآله﴾ ، وحب الخير لخاصة المسلمين وعامتهم لم ينل خيرا ، والسالك الذي لا يقوم بإخلاص عاملا لله على هدى رسول الله ﴿ ص وآله﴾ قل أن يصل إلى مقصوده. ولما كانت محبة الله تعالى لا يظفر بها السالك إلا بسماع ما له علينا سبحانه من النعم ، وفهم أنوار جماله وأسرار بهائه ، وعظمة جلاله ، وسواطع أنواره ، وإدراك مراتب الوجود ، ونسبته في مرتبته ، وما تفضل الله به عليه من خلقه بيديه ، ومن نفخته فيه من روحه ، وسر سجود الملائكة لآدم ، وحكمة جعله خليفة عنه في الأرض ، وعنايته سبحانه بالإنسان حتى أعد له مالا عين رأت ولا أذن سمعت في جوار قدسه ، ومنازل الأطهار من خيرة خلقه, وبذلك يحصل له الحب الجذاب إلى حضرة القرب من الله تعالى . . وكان كل ذلك لا بناله السالك إلا بصحبة لمرشد القائم مقام رسول الله ﴿ ص وآله﴾ كان لا بد لكل سالك من مرشد ، فالمرشد في الحقيقة هو صورة رسول الله صلوات الله عليه المجملة بجماله المحمدي إلا أنه لا يوحى إليه ، انطوت النبوة بين جنبيه ، حفظ الله قلبه ولسانه ، لأنه ممد من روح العصمة ، فهو النجم المضيء لأهل عصره ، وقد جعل ﴿ ص وآله﴾ المرشدين في مقام التمكين إخوانا له في الحديث الطويل : " وددت لو رأيت إخوانى الذين لما يأتوا بعد " بسند مالك بن أنس في موطئه ، فأنزلهم منه صلوات الله عليه منزلة الإخوان لأن الله تعالى أكرمهم بأن جعلهم ورثة أنبيائه . وللمرشد اقتباس من مشكاة رسول الله ﴿ ص وآله﴾ تنكشف به غياهب البدع ، وظلمات الفتن في كل زمان ، فهو حجة الله تعالى القائم للحي القيوم ، وهو الإنسان المجمل بجمال الصديقين قولا وعملا وعلما وخلقا وعبادة ومعاملة وعقيدة ، كما قال ﴿ ص وآله﴾ : " الولى من إذا رؤي ذكر الله لرؤيته " وقال أيضا : " الولى إذا دخل بلدا كمل إيمان أهلها " . المرشد ينوع الأفكار ويقوي اليقين الحق ، وتزكو به النفوس ، وتنشط الأبدان للعبادة ، ومن أكمل صفاته: أن الله يلقي عليه محبة منه فلا يراه مؤمن إلا أحبه ، ولا منافق إلا هابه ، ولا كافر إلا خاف منه ، فهو صورة رسول الله ﴿ ص وآله﴾ والمرآة التي أشرقت فيها معانيه المحمدية. _____________________الإمام أبو العزائم هنا لا يعني بالمرشد أي شيخ صوفي والسلام, وإنما المرشد في هذا الموضع يعني به الوارث المحمدي الفرد الجامع في عصره.. الذي يحل محل سيدنا رسول الله ص في الأمة, وهو شخص واحد فقط في كل جيل على رأس كل قرن, ولا تخلو الأرض من وارث لرسول الله ص.من هو السالك ؟ :هو إنسان مسلم منحه الله النور الذي يقبل به الخير, والنور في اصطلاحنا هو القابل وحفظه سبحانه وتعالى من فعل ما يخالف ما أنزل الله على نبيه ﴿ ص وآله﴾ وإن قبله في بدايته من غير المرشد الكامل ألهمه الله الفرار إليه سبحانه ودله على المرشد ، فكان من خيرة أصحابه ، لأن ما يجعله الله من النور في قلب السالك إليه جل جلاله يستبين به الحق والباطل ، فيجذبه الله إلى الحق بدليل قوله تعالى : اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ البقرة: ٢٥٧ وقوله ﴿ص وآله﴾ : ( يد المؤمن في يمين الله كلما وقع أقامه ) . والسالك يشتاق إلى الحق ، والمشتاق إلى الحق قوي المسارعة إلى الحكمة ، ولشوقه إلى الحق إذا سمع كلمة حكمة تلقاها ولو من عدو الله ، قال رسول الله ﴿ ص وآله﴾ : " الحكمة ضالة المؤمن يلتقطها أنى وجدها ". وسماع الحكمة يجعل النفوس تعظم حاملها ، ولكن قد يكون حامل الحكمة غير الحكيم يحفظها ولا يفقهها ، قال تعالى : مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا الجمعة: ٥ ، فإذا نطق الناطق بالحكمة قبلها السالك منه ، ثم وزن أحواله بهذا النور المجعول له من الله ، قال الله تعالى : وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ النور: ٤٠. فإذا اطمأن لها قلبه ، وشهد من الحكمة العمل بها أحبه واقتدى بعلمه ، وعمله ، وحاله . وإذا لم يطمئن قلبه ولم يشهد عمله بالحكمة أخذ منه الحكمة وفارقه . فليس كل محصل للعلم عالما ، ولا كل مبين للأحكام بدلا من أبدال الرسل ، قال الله تعالى وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا الأعراف: ١٧٥ وقال ﴿ ص وآله﴾ : " قراء آمتى فساقها ".إذا فهمت ياولدي هذا ؛ فلا يعتبر السالك سالكا في طريقنا إلا إذا جمله الله بكل تلك المعاني ، وأنت تعلم يابني أن أصحاب رسول الله ﴿ ص وآله﴾ كان بينهم المنافق ، والشاك ، والمتردد في دينه ، والمظهر الإيمان لغرض من الأغراض ، وكلهم يرون من رسول الله الميل والتأليف ، مع إعلام الله إياه بحقيقة ما انطوت عليه قلوبهم ، قال ﴿ ص وآله﴾ : " أمرت بمدارة الناس " وقد أمرنا ﴿ ص وآله﴾ أن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر . فالسالك حقا من منحه الله التسليم وقدر له صحبة المرشد الكامل ، فأفرده بالقصد دون غيره من الخلق، حبا في أن يفوز بمعية رسول الله ﴿ ص وآله﴾ بنيل صحبة أشبه الناس به شوقا إليه عليه الصلاة والسلام ، ويكون في الحقيقة في معية النبي عليه الصلاة والسلام ، بمعنى أنه لا يعتبر للمرشد وجودا فيعظم أمره ونهيه ، وإنما يكون وجوده في معية الحبيب المصطفى ، فيقبل من المرشد ما يعلم أنه من السنة ، ويرد ما لا يفقهه قلبه من القول والعمل ، معتقدا أن السلوك هو العمل بصريح السنة والكتاب ، حتى يمنحه الله تعالى المراقبة أو المشاهدة ، فهو لا ينكر على المرشد الكامل ما لا يفقهه قلبه مما يعتقد أنه حق في مرتبة المرشد ما دام المرشد لا يفعل محرما ولا يقول بضلال.مثال ذلك : أن المرشد إذا ترك الأسباب أو عمل عملا يقتضي مهانة من تغيير هيئة ، أو فرار إلى الغابات ، أو فارق النساء والمشتهيات ، أو مالت نفسه إلى السماع ، أو زار الملوك والأمراء ، مما حصل للأفراد المرشدين ، فلا يقلده السالك في ذلك ولا ينكر عليه. أما إذا فعل محرما ، أو أمر به ، أو ترك فريضة وجب على السالك مفارقته بسرعة ولو كان المرشد يريد امتحان السالك في طاعته أو يريد امتحانه في يقينه برسول الله ﴿ ص وآله﴾ وعلى السالك في مثل هذه الحال أن يستبين الأمر منه جليا مع التمنع عن الوقوع فيما يأمره به . أما السالك الذي لا بصيرة له إذا قلد المرشد في عمله المتقدم ، أو سلم له فيما يعلم حرمته فلا يعتبر عندنا فقيرا من فقراء الطريق ، فإن المراد بالسلوك تجاوز عقبة الإلحاد والانتشال من وحلة التوحيد والتخلي عن نظر النفس ونزوعها ، حتى يكون السالك إنسانا مسلما مقبلا على الله بكليته . وأهم صفات السالك إلى الله تعالى : 1- إيثاره إخوانه على نفسه . 2 - الزهد فيما في أيدي الناس إلا لضرورة مقتضية . 3 - المسارعة إلى أن يكون نافعا لإخوانه بقدر استطاعته . 4 - السمع والطاعة لله ولرسوله ﴿ ص وآله﴾ وللمرشد ما دام آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر . ومن أخص علاماته : قبول ما لا يلائم نفسه بانشراح صدر وفرح ، والوقوف عند أدبه مع المرشد مهما أثنى عليه ورفعه ، وعدم الغرور بنفسه ولو أقبل عليه العالم أجمع ، ما دامت شمس المرشد مشرقة في أفقه حتى يبلغ اليقين الحق . السالك المصاحب للمرشد: لم يبلغ درجة المرشد من العرفان . والمعرفة بها كمال التحقق في العبودية ، وقد ترى بعض السالكين يعمل ما يخالف الشريعة مظهرا أنها من المعرفة ، ولو أن المعرفة تبيح مخالفة الشريعة لكان أولى بذلك الخلفاء الراشدون ، والمرشدون الكاملون ، ومعرفة تبيح مخالفة الشريعة معرفة ولكنها معرفة الشيطان وإلهام ولكنه من إبليس ومخالفة المرشد دليل على الخيبة.ما هي المعرفة ؟ المعرفة أن تعرف نفسك ، فتعرف بمعرفتها ربك ، وهل المعرفة التي تفقد العبد حقيقته حتى يكون إلها أو مخالفا لأحكام الإله معرفة ؟ هي ظلومية وجهولية ، إنما المعرفة حفظ الأدب في الطلب ، وكشف الحقيقة للحفظ من العطب ، ومتى كان العبد المقهور يصير ربا قادرا ؟ والسالك يقف موقف الأدب مع المرشد فيعادي شهوده إن خالف عبارة المرشد ، ويكره إلهامه إن أخرجه عن الأدب مع المرشد ، وإنما السالك في طريقنا هذا ميت أحياه الله وجعل له نورا يمشي به في الناس من غير شك ولا إلباس ، وإشارات المرشد كأشعة أنوار الشمس تظهر ما حسن ، وما قبح ، فتستبين النفوس الإبليسية من النفوس الملكوتية مع المرشد ، وقد قال الله تعالى : يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ البقرة: ٢٦ .وللسالك أخلاق روحانية وآداب إحسانية ، فهو في الحقيقة عين المرشد وإن كان مريدا , ومرادا لله تعالى وإن كان بعيدا , فإن السالك ليست له إرادة ولكنه مراد من الأزل .حفظني الله وإخوتي المؤمنين جميعا من صحبة المضلين ، ومن الإصغاء إلى الجاهلينوبين لنا كتابه وسنة نبيه بلسان وعمل أفراده المحصنين بحصون أمنه ، إنه مجيب الدعاء.