شرح حديث (شُكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة..)
شرح أحاديث عمدة الأحكام
الحديث السادس والعشرون
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
الحديث السادس والعشرون
عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه قال : شُكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة ، فقال : لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحـا .
فيه مسائل :
1 = شُكي ، مبني للمجهول ، وجاء في رواية للبخاري عن عباد بن تميم عن عمه أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذه فائدة إيراد المصنف للراوي عن الصحابي .
وعباد بن تميم يروي عن عمه عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه .
وقد تقدّم ذلك في الحديث التاسع في صفة الوضوء .
2 = هذا الحكم أعمّ من أن يكون إجابة لسائل أو واقعة عين أو تخصيص ذلك بمن شكا .
فقد روى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا ، فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحـاً .
3 = سبب ما يجده الإنسان في دُبِره وما يُخيّل له
قال عليه الصلاة والسلام : إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في صلاته فيأخذ شعرة من دبره فيمدها فيرى أنه قد أحدث فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا . رواه الإمام أحمد ، وقال محققو المسند : حديث حسن .
4 = تسلّط الشيطان على المُصلّي ، فقد عَرَض الشيطان للنبي صلى الله عليه وسلم في صلاته .
قال عليه الصلاة والسلام : إن الشيطان عرض لي ، فشدّ عليّ ليقطع الصلاة عليّ ، فأمكنني الله منه فَذَعَتّه ، ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية حتى تصبحوا فتنظروا إليه ، فذكرت قول سليمان عليه السلام : ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي ) فرده الله خاسيا . رواه البخاري ومسلم . قال النضر بن شميل فذعته بالذال أي خنقته .
وفي رواية لأحمد من حديث أبي سعيد رضي الله عنه : فما زلت أخنقه حتى وجدت برد لعابه بين أصبعي هاتين الإبهام والتي تليها ، ولولا دعوة أخي سليمان لأصبح مربوطاً بسارية من سواري المسجد يتلاعب به صبيان المدينة ، فمن استطاع منكم أن لا يحول بينه وبين القبلة أحد فليفعل .
ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوّذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه . كما في المسند وسنن أبي داود .
وهمزه الموتة ، ونفثه الشعر ، ونفخه الكبرياء .
5 = في الحديث قاعدة جليلة ، وهي : أن اليقين لا يزول بالشك .
فمن تيقّن الطهارة وشكّ في الحدث ، فلا يلتفت إلى الشك ، والعكس ، من تيقن الحدث وشك في الطهارة فإنه لا يلتفت إلى الشك .
أي أنه يبني على اليقين ويطرح الشك .
وهذا عام في كل شكّ .
6 = هذا القيد أغلبي ، أعني قوله ( لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحـا )
فإن فاقد بعض هذه الحواس لا يمكن أن يجد ذلك .
7 = مشروعية السؤال عما أشكل على المسلم ، ولو كان مما يُستحيا منه عادة ، وتقدّم ذلك في الحديث السابق .
8 = إثبات أن الريح أو الصوت الخارج من الدُّبر ناقض للوضوء .
9 = لا فرق بين أن يكون الشك في هذين ( الصوت والريح ) أو يكون في خروج شيء من القبل أو الدُّبر ؛ لأن الطهارة يقين لا يزول بالشكّ ، ولا يؤمر المسلم بالتفتيش في ملابسه لمجرّد الشك ؛ لأن هذا يفتح عليه باب وسواس عليه .
والله تعالى أعلى وأعلم .