شرح حديث (إنما الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة ), من الممكن أن تكون راحلة ؟!!
شرح حديث (إنما الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة ), من الممكن أن تكون راحلة ؟!!
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ..
أما بعد .. أيها الإخوة في الله ..
خلف أي شيء تسير ؟ ما الذي يحركك ؟ ما الذي يدفعك للعمل ؟
هل هواك مازال هو المتحكم في خطواتك ؟
هل امتثلت لموعظتي لك فجاهدت هواك ؟
أي شيء تركته لله يقينا بأن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا ؟
إخوتي في الله ...
إذا ضعف السير أو اشتد ، إذا قصر الطريق أو امتد ، فاسمع هذه الآية
واجعلها لا تفارقك سيرك ، وأوقد بها شعلةحماسك إذا فترت ، واجعلها تنير لك الطريق ، وذكر بها قلبك لتتعلق في كل خطوة بربك ، فلا حيلة في السير إلا به ،ولا أمل في الوصول إلا منه ، ولو سار مر الدهر .
" هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ "
فاعلم أنك ملك لربك ، فاقترب منه فإنه منك قريب ، ولا تجعل هواك قاطعًا لك عنه .
فمن معنا ؟؟ من سيكون الراحلة ؟؟!
في الصحيحين أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" إنما الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة "
وهذا كلام أهل العلم في شرح الحديث
الراحلة من الإبل : البعير القوي على الأسفار والأحمال ، والذكر والأنثى فيه سواء ، والهاء فيها للمبالغة ، وهي التي يختارها الرجل لمركبه ورحله على النجابة وتمام الخلق وحسن المنظر ، فإذا كانت في جماعة الإبل عرفت .
ومعنى الحديث إن مرضي الأحوال من الناس الكامل الأوصاف قليل فيهم جدا لقلة الراحلة في الإبل
[ الديباج على مسلم - (5 / 491)]
قال أبو جعفر: .....قول النبي صلى الله عليه وسلم الناس كإبل مائة يريد به خاصا من الناس وهم الذين لا غناء معهم ولا منفعة عندهم لمن سواهم من الناس كإبل مائة ليس فيها راحلة تحمل ما يحتاج الناس إلى حمله عنهم وتكون الإبل التي لا راحلة فيها كالناس الذين لا منفعة عندهم من علم يؤخذ عنهم ولا مما سوى ذلك مما يحتاج بعض الناس إليه من بعض .
[بيان مشكل الآثار ـ الطحاوى - (4 / 53)]
قَوْله ( كَإبِل مِائَة )
يَعْنِي أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُنْتَخَبِينَ مِنْ النَّاس فِي عِزَّة وَجُودهمْ كَالْمُنْتَخَبِ مِنْ الْإِبِل الْقَوِيَّة عَلَى الْأَحْمَال وَالْأَسْفَار الَّذِي لَا يُوجَد فِي كَثِير مِنْ الْإِبِل.
قَالَ الزُّهْرِيُّ الَّذِي عِنْدِي فِيهِ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذَمَّ الدُّنْيَا وَحَذَّرَ الْعِبَاد وَضَرَبَ لَهُمْ مِنْهَا الْأَمْثَال لِيَعْتَبِرُوا وَيَحْذَرُوا وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَذِّرهُمْ مَا حَذَّرَهُمْ اللَّه تَعَالَى وَيُزَهِّدهُمْ فِيهَا فَرَغِبَتْ النَّاس بَعْده فِيهَا وَتَنَافَسُوا عَلَيْهَا حَتَّى كَانَ الزُّهْد فِي النَّادِر الْقَلِيل مِنْهُمْ فَقَالَ : "تَجِدُونَ النَّاس بَعْدِي كَإِبِلِ مِائَة لَيْسَ فِيهَارَاحِلَة" أَيْ أَنَّ الْكَامِل فِي الزُّهْد فِي الدُّنْيَا وَالرَّغْبَة فِي الْآخِرَة قَلِيل كَقِلَّةِ الرَّاحِلَة فِي الْإِبِل وَالرَّاحِلَة هِيَ الْبَعِير الْقَوِيّ عَلَى الْأَسْفَار وَالْأَحْمَال النَّجِيب التَّامّ الْخَلْق الْحَسَن النَّظَر وَيَقَع عَلَى الذَّكَر وَالْأُنْثَى وَالْهَاء لِلْمُبَالَغَةِ.
ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ وَإِسْنَاده صَحِيح رِجَاله ثِقَات [حاشية السندي على ابن ماجه - (7 / 359)]
وقال القرطبي الذي يناسب التمثيل أن الرجل الجوادالذي يتحمل أثقال الناس والحمالات عنهم ويكشف كربهم عزيز الوجود كالراحلة في الإبل الكثيرة
[عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (33 / 281)]
وخـــــلاصته:
أن المرضي المنتخب من الناس الصالح للصحبة سهل الانقياد عسر وجوده كالنجيبة الصالحة للركوب التي لا توجدفي الإبل الكثيرة القوية على الأحمال والأسفار فذكر المائة للتكثير لا للتحديد فإن وجود العالم العامل المخلص من قبيل الكيمياء أو من باب تسمية العنقاء ولذا قال بعض العرفاء :
أتمنى على الزمان محالا* أن ترى مقلتاي طلعة حر
[مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (15 / 298)]
الراحلة وهو ذلك الفرد النشط الحي القوي الذي يأخذ على عاتقه المسؤولية ويعمل وفق طاقاته وإمكانيته في سبيل إحياء الأمة، ذلك الفرد الذي تصبح الفكرة همّه:تقيمه وتقعده ويحلم بها في منامه وينطلق في سبيلها في يقظته، الذي إن لم تكن لديه الوسائل الفعالة سعي في إيجادها ولو كان أمرًا مستحيلًا،
فهو يعيش من أجل عقيدته ويرضى بكل أذي في سبيلها ويبذل كل غال ورخيص..