السعـادة جنة الأحلام ومنتهى الآمال، كل البشر يناشدها وقليل من يدركها،
ومع اختلاف العباد ومعايشهم وتباين وسائلهم وغايتهم وتنوع لغاتهم وأجناسهم،
ومع افتراق مشاربهم وطموحاتهم الا أنهم متفقون على طلب السعـادة؛
لتوجعهم من مكابد الحياة والآمها، لطمعهم في حياة سعيدة هنيئة لا أحزان فيها ولا هموم،
ونوال السعـادة منحة من الرحمن يهبها لمن يشاء من عباده
فمنهم من ينعم في جناها،ومنهم من يحرمها ويعيش في امانيها،
والموفق من هدي اليها فسلكها وخطى اليها وعمل لها وجانب مايضادها مما يجلب له الشقاء.
................
اين اجد السعــــادة؟
ظن بعض الناس أن السعـادة في المال والثراء،
ومنهم من توهمها في المنصب والجاه ،
ومنهم من طلبها في تحقيق الأماني المحرمة،
والخلق في سعي حثيث لنيلها، وفي جد وتشمير لتحصيلها،فمن مدرك لها ومن محروم منها، ومن بائس شقي توهم السعـادة على غير حقيقتهافآثردنياه على دينه، وهواه على آخرته فجنى الوهم والهم وكابد المعيشة وقاسى الأحزان.
والسعـادة لن تنال الابتقوى الله عز وجل
بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، والبعد عن المعاصي والسيئات، قال سبحانه
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءآمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً
قيل:"الايمان بالله ورسوله هو جماع السعـادة واصلها"
فالحياة وما فيها من متاع لا سعادة فيها بلا تقوى.
قال الشاعر:ولست ارى السعـادة جمع مال *** ولكن التقي هو السعيد
فتقوى الله خير الزاد وذخرا *** وعند الله للاتقياء مزيد
طــريــق السعــــادة:
لا سبيل الى السعـادة الا بطاعة الله، ومن أكثر من الأعمال الصالحة واجتنب الذنوب
والخطايا عاش سعيدا وكان من ربه قريبا قال سبحانه:
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً
قال ابن كثير:
"الحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت"
والسعـادة تزهو اذا حقق العبد توحيد ربه، وعلق قلبه بخاقه، وفوض جميع أموره اليه.
قال ابن القيم:
"التوحيد يفتح للعبد باب الخير والسرور واللذة، والفرح والابتهاج"
والسعـادة يكتمل عقدها بالاحسان الى الخلق مع ملازمة طاعة الله.
"والسعـادة في معاملة الخلق: ان تعاملهم لله فترجو الله فترجو الله فيهم ولا ترجوهم في الله،
وتخافه فيهم ولا تخافهم في الله وتحسن اليهم رجاء وثواب الله لا لمكافأتهم وتكف عن ظلمهم
خوفا من الله لا منهم"
ومن ذاق طعم الايمان ذاق حلاوة السعـادة، وعاش منشرح الصدر مطمئن القلب ساكن الجوارح.
قال ابن القيم:
"وسمعت شيخ الاسلام ابن تيمية يقول:ان في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة،
وقال لي مرة ما يصنع أعدائي بي انا جنتي وبستاني في صدري ان رحت فهي معي لا تفارقني"
............
المحروم من السعــــــادة:
الشقاء في اتباع الهوى باقتراف المعاصي والسيئات، ولذات الدنيا المحرمة مشوبة بالمضار،
وهي سبب الشقاء في الدنيا والآخرة قال سبحانه:
(وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا)
اي في شدة وضيق.
" كل شر في العالم مختص بالعبد فسببه: مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم
او الجهل بما جاء به، وأن سعادة العباد في معاشهم ومعادهم باتباع الرسالة"
والفرار من الشقاء الى السعـادة يكون بالتوبة والانابة الى الله.
قال ابن القيم:
"ويغلق باب الشرور بالتوبة والاستغفار"
فاطرق أبواب التوبة وأوصد أبواب المعاصي لتذوق طعم السعـادة، فعافية القلب في ترك الآثام والذنوب على القلب بمنزلة السموم ان لم تهلكه اضعفته ومن انتقل من ذل المعصية الى عز الطاعة أغناه الله بلا مال وآنسه بلا صاحب والشقي من أعرض عن طاعة مولاه واقترف ما حرم الله
..............
الاخلاص لله طريق السعادة
غنى العبد بطاعة ربه والأقبال عليه، واخلاص الأعمال لله أصل الـديـن وتاج العمـل
وهو عنوان الوقار، وسمو الهمة، ورجحان العقل، وطريق السعادة، ولا يتم امر
ولا تحصل بركة الا بصلاح القصد والنية، وقد امر الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم
بالاخلاص في اكثر من آية
فقال له:
(فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ) [الزمر:2]
وقال له:
(قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّين) [الزمر:11]
وقال له:
(قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي) [الزمر:14]
فصلاح العمل من صلاح النية، وصلاح النية من صلاح القلب.
وأصل قبول الأعمال عند الله الاخلاص مع المتابعة
يقول ابن مسعود رضي الله عنه:
"لاينفع قول وعمل الا بنية ولا ينفع قول وعمل ونية الا بما وافق السنة".
والاخلاص عزيز في جانب العبادات
يقول ابن الجوزي:
"ما أقل من يعمل لله تعالى خالصا لأن أكثر الناس يحبون ظهور عباداتهم".
ويقول ابن رجب:
"الريا المحض لايكاد يصدر من مؤمن في فرض الصلاة والصيام، وقد يصدر في الصدقة
الواجبة أو الحج وغيرهما من الأعمال الظاهرة او التي يتعدى نفعها، فان الاخلاص
فيها عزيز،
وهذا العمل لايشك مسلم أنه حابط وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقوبة".
وقد افتتح بعض العلماء كالامام البخاري في صحيحه، والمقدسي في "عمدة الأحكام"
والبغوي في "شرح السنة" و "مصابيح السنة" ، والنووي في "الأربعين النوويه"_
مصنافتهم بحديث: (انما الأعمال بالنيات) اشارة منهم الى أهمية الاخلاص في الأعمال.
وسفيان الثوري يقول:
"ماعالجت شيئا أشد علي من نيتي، لأنها تتقلب علي".
والعمل من غير نية خالصة لوجه الله طاقة مهدرة، وجهد مبعثر، وهو مردود على صاحبه
والله تعالى غني حميد لايقبل من الاعمال الا ما كان خالصا له سبحانه.
يقول ابو امامه الباهلي رضي الله عنه:
"جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت رجلا غزا
يلتمس الأجر والذكر ماله؟ فقال رسول الله صلى عليه وسلم لا شـيء لـه.فأعادها
عليه ثلاث مرات ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: لا شـيء لـه. ثم قال:
ان الله لا يقبل من العمل الا ما كان له خالصا وابتغي به وجه الله"
-رواه ابو داود والنسائي-.
ويقول عليه الصلاة والسلام قال الله عز وجل:
(أنا أغنى الشركاء عن الشرك; من عمل عملا اشرك معي فيه غيري تركته وشركه)
-راوه مسلم-