من محراب الفجر "3"
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وبالعمل برضاه تطيب الحياة وتنزل البركات ، وأشهد أن لا إله إلا وحده لا شريك له ، أمر بالتقوى ، ونهى عن السوء والفحشاء ، والصلاة والسلام على نبي الهدى ، ومصباح الدجى ، محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ، أما بعد،،،
لقد قرأ إمامنا في صلاة الفجر قول الله تعالى: (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً ، فاتخذت من دونهم حجاباً فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً ، قالت إني أعوذ بالرحمان منك إن كنت تقيا ، قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً ، قالت أنى يكون لي غلامٌ ولم يمسسني بشرٌ ولم أكُ بغيا ، قال كذلك قال ربك هو عليّ هين ، ولنجعله آية للناس ورحمة منّا وكان أمراً مقضياً ، فحملته فانتبذت به مكاناً قصياً ، قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً ، فناداها من تحتها ألا تحزني قدْ جعل ربك تحتك سرياً ، وهزي إليك بجذع النخلة تُساقط عليك رطباً جنياً).
سبحان الله ما أروع قصص القرآن وما أبلغ عبره ، يقول تعالى: (لقد كان في قصصهم عبرة) ؛ فالسيدة مريم تلك المرأة التي تربت في محراب الطهر ، وقد تقبلها ربها بقبول حسن ، كان يطعمها فاكهة الصيف في الشتاء ، وفاكهة الشتاء في الصيف ، عُرفت بين قومها بعابدة المحراب ، وهي من نسل الأشراف ، وخيرة النساء.
السيدة مريم تلك المرأه العفيفة الطاهرة ، ها هي تفاجأ بهذا الشخص الغريب ، فتلجأ إلى رب العزة والجلال قائلة: (إني أعوذ بالرحمن منك) ، والأشد من ذلك تذّكر هذا الغريب بالتقوى حتى يزدجر ولا يلحق بها الأذى (إن كنت تقياً) ، وهكذا حال التقي النقي يلجأ إلى الله لينجيه من كل ما قد يلم به ، وبعد ان طمنها ذلك الغريب ، بث إليها البشرى ؛ لكن وقع البشرى كان كالسيف القاطع وقالتأنى يكون لي غلامٌ ولم يمسسني بشرٌ ولم أك بغياً) ، أي بشرى وأي هدية هذه ، إنها خطب جلل ، ومن أراد أن يستشعره ليضع نفسه في مكان السيدة مريم ، ولكنها ولقوة إيمانها عندما أخبرها الملك أنه أمر الله استقبلته بنفس مطمئة راضية قانعة ، وهكذا هو المؤمن لا يجزع من قضاء الله وقدره ، وما يصيبه شيء إلا لحكمة وإن خفيت عليه .
هارهي يشتد حملها ، وتدنوا ساعة ولادتها ، فتبتعد عن أهلها وما إن بدأ المخاض إلا قالت: (يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً) ، الله أكبر كلمات تخرج من جوفها أشد لهيباً من الجمر ، وأشد من حمل جبل ، والله من قرأ هذه الآية بنفس حاضرة ، وقلب خاشع ، زلزلت بدنه ، وأبكت عينه ، قال بعض أهل العلم : أنها خافت من افتضاح أمرها لكن يُرد على قولهم كيف تخشى الفضحية وقد علمت أنه أمر الله ، وأنه لا تثريب عليها ولا خوف ، إذا لماذا قالت ما قالت ؟ قالوا : خافت على قومها ، فهم إن لم يصدقوها ، ويصدقوا أنه أمر الله ، قد يغضب الله عليهم فينزل عليهم أشد العذاب.
ثم أن الله يطمنها بمواساة جبريل لها ، ويأمرها بهز جذع النخلة ، ـ والله لو اجتمع ثلاثة رجال على جذع نخلة ما هزوه حتى يسقط منه التمر ـ أشد من ذلك قال بعض أهل العلم : أن جذع النخلة كان بدون ثمر أصلاً ، فولادتها كانت في وقت ليس فيه تمر ، سبحان الله لماذا التمر ، ثبت حديثاً أن التمر يخفف آلام النفاس ويساعد على در الحليب وينظف الرحم ؛ فلله الأمر من قبل ومن بعد.
هذا ما جال بخاطري فإن كان من توفيق فمن الله وحده ، وإن كان من خطأ فمن نفسي والشيطان وأستغفر الله من ذلك وأتوب إليه.
------------------
العمر يمر مر السحاب ونحن نسوف وقت المتاب ونرجو عفو رب الأرباب إنّ هذا لشيء عجاب.
أبو العبادلة
الأحد
06 محــرم 1435هـ
10 نوفمبر 2013 م