موقع (عقيدة السلف الصالح) فيه خلط في موضوع التمثيل والتشبيه و حيدة عن تحقيق ابن تيمية موقع (عقيدة السلف الصالح) فيه خلط في موضوع التمثيل والتشبيه و حيدة عن تحقيق ابن تيمية موقع (عقيدة السلف الصالح) فيه خلط في موضوع التمثيل والتشبيه و حيدة عن تحقيق ابن تيمية موقع (عقيدة السلف الصالح) فيه خلط في موضوع التمثيل والتشبيه و حيدة عن تحقيق ابن تيمية للموضوع
ولا يوجد عندهم تفريق في الاصطلاح بين المتقدمين والمتأخرين لان لفظ التشبيه كما جاء في هذا الموقع معنه التمثيل المنفي في القران
اما التشبيه بالمعنى المستقر عليه في الاصطلاح هو نفي مطلق المناسبة بين صفات الله وصفات المخلوقين
والذي هو القول بالمجاز
او القول بان صفات الله حقيقة وصفات العبد حقيقة
والحيدة عن جواب المناسبة بينهما
وان كان الجواب عن الحيدة هو عدم الخوض فيها
نقول تمسكو بقول الله ليس كمثله شيء
ولا تقول لا يشبيهه شيء الا على مراد الائمة والذي هو بمعنى نفي المماثلة
تعليق بالاحمر هل إثبات الصفات على الحقيقة تشبيه؟
إعداد: أم عبد الله الميساوي
لـ
« موقع عقيدة السلفالصالح »الحمد لله والصلاة والسلامعلى رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد
سيكون جواب هذا السؤال في عدةنقاط:
1.
إثبات الصفات على الحقيقة – لاالمجاز – لا يلزم منه التشبيه، فكما لم يلزم من إثبات ذاتٍ حقيقية، وحياة حقيقية،وعلم حقيقي، تشبيه؛ فإنه لا يلزم التشبيه من إثبات باقي الصفات الثابتة في القرآنوالسنة على الحقيقة؛ لأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات يحذوحذوه. من قرر هذا الكلام قال
أبو القاسم إسماعيلالأصبهاني (ت. 535 هـ) :
«قال أهل السنة: نَصِف الله بما وَصَف به نفسه، ونؤمن بذلك إذ كانطريق الشرع الاتباع لا الابتداع، مع تحقيقنا أن صفاته لا يشبهها صفات، وذاته لايشبهها ذات، وقد نفى الله تعالى عن نفسه
التشبيه بقوله: **ليسكمثله شيء} فمن شبه الله بخلقه فقد كفر؛ وأثبت لنفسه صفات فقال**وهو السميع البصير}. وليس في إثبات الصفات ما يُفضي إلىالتشبيه، كما أنه ليس في إثبات الذات ما يفضي إلى التشبيه، وفي قوله : **ليس كمثله شيْءٌ} دليل على أنه ليس كذاته ذات، ولا كصفاتهصفات.) (1)
جعل أبو القاسم التشبيه بمعنى التمثيل لأنه ساق الآية وهذا أمر بين 2. لو كان إثباتهاحقيقةً تشبيهًا، لكان النبي صلى الله عليه وسلم أول المشبّهين بفعله، فعن ابن مسعودرضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”آخر منيدخل الجنة رجل، فهو يمشي مرة، ويكْبُو مرة، وتسفَعُه النار مرة» إلى أن قال -صلى الله عليه وسلم-: ”ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة هيأحسن من الأُوليَيْن، فيقول: أي رب، أدنِني من هذه لأستظل بظلها، وأشرب من مائها،لا أسألك غيرها. فيقول: يا ابن آدم ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ قال: بلى يارب، هذه لا أسألك غيرها. وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليها، فيدنيه منها،فإذا أدناه منها سمِع أصوات أهل الجنة، فيقول: أي رب أدخلنيها. فيقول: يا ابن آدم،ما يَصْريني منك؟ أيُرضيك أن أعطيك الدنيا، ومثلها معها؟ قال: "يا رب أتستهزئ منيوأنت رب العالمين؟" “
فضحك ابن مسعود فقال: «ألاتسألوني ممّ أضحك؟» فقالوا: "مم تضحك؟" قال: «هكذا ضحكرسول الله صلى الله عليه وسلم»، فقالوا: "ممّ
تضحك يا رسول الله؟" قال: ”
من ضحك رب العالمين حين قال: أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟فيقول: إني لا أستهزئ منك، ولكني على ما أشاء قادر“. [صحيح مسلم وغيره]
ومقصود النبي صلى الله عليه وسلم منفعله هو تأكيد أن ضحك الله عز وجل حقيقي وليس أن ضحك الله عز وجل كضحكه صلى اللهعليه وسلم، وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يشبه صفات الله عز وجل والله يقول: **لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الشورى : 11]؛ فهذا دليل على أن إثبات الصفات علىالحقيقة ليس بتشبيه.
وانظر
هذا المقال[رابط] لمزيدٍ من الأمثلةِ المشابهةِلهذا الحديث.
صاحب هذا الكلام عنده التشبيه تمثل بدليل قوله(وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يشبه صفات الله عز وجل والله يقول: **لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) 3.
ما يلزم في المخلوقلا يلزم في الخالق، فالقول بأن إثبات صفة اليد أو العين يلزم منه أنها عضو أوجارحة، باطل؛ لأن
صفة الله هي الأصل، فالله متصف بصفة اليد(2) منذ الأزل قبل وجودأيدي المخلوقات، وأيدي المخلوقات محدثة، خلقها الله وسمّاها باسم صفته، وجعلهابكيفية تُناسب ذواتنا التي هي أجسام مركبة،
أما صفات الله فهي على صفة تليق بذاتهعز وجل،
لا علم لنا بكيفيتها.
وقد جعل الله لنا بعض الصفات التي توافق صفاته فيالاسم لأجل الفهم فقط، وذلك حتى نعرف الله عز وجل -من غير إحاطة به-، ولنعظمهونعبده حق عبادته.
بل حتى في المعنى وهذا قول(
وقد جعل الله لنا بعض الصفات التي توافق صفاته فيالاسم لأجل الفهم فقط) للأشاعرة لأنهم يقولون صفات الله تطلق بالاشتراك المحض مع صفات العبد ومن قال عن صفات الله هي الأصل وما معنى هذا الكلام قال الإمامعبد العزيز الماجِشُون (ت. 164 هـ / من تابعي التابعين) في رسالته: «فأماالذي جحد ما وصف الرب من نفسه تعمُّقا وتكلفًا، فقد استهوته الشياطين في الأرضحيران، فصار يستدل بزعمه على جحد ما وصف الرب وسمَّى من نفسه،بأن قال: لا بُد إن كان له كذا مِن أن يكون له كذا، فعمِيَ عنالبّيِّن بالخفي، فجحد ما سمَّى الرب من نفسه...» ثم تكلم عن آياتوأحاديث رؤية الله يوم القيامة، وذكر مجموعة من نصوص الصفات كقوله تعالى** قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُبِيَدَيَّ } [ص : 75]، وحديث”لَا تَمْتَلِئُ النَّارُ حَتَّى يَضَعَ الْجَبَّارُ فِيهَاقَدَمَهُ“ وقوله سبحانه: **وَالْأَرْضُ جَمِيعًاقَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِسُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر : 67]، ثم قال: « فوالله مادلَّهم على عظم ما وصف به نفسه، وما تحيط به قبضته، إلا
صغر نظيرها منهمعندهم – إنّ ذلك الذي أُلقِيَ في رُوعهم (3)، وخلق على معرفته قلوبهم، فماوصف الله من نفسه وسمّاه على لسان رسوله سميناه كما سماه، ولم نتكلف منه علم ماسواه، لا هذا، ولا هذا، ولا نجحد ما وصف، ولا نتكلف معرفة ما لم يصف.» (4)
في إطلاق هذا الإمام لفظ النظير دليل على القول بالمتواطئ أو التشكيك في صفات الله كما قرر شيخ الاسلام وعن شقيق بن سلمة أن شريحًا قرأ: **بَلْ عَجِبْتَوَيَسْخَرُونَ} [الصافات : 12]؛ قال شريح: إنالله لا يعجب من شيء، إنما يعجب من لا يعلم. قال الأعمش: فذكرتهلإبراهيم (النخعي / ت. 196 هـ) فقال: «إن شريحا كان يعجبه رأيه، إن عبد الله (بن مسعود) كان أعلم من شريح، وكان عبد الله يقرؤها**بل عجبتُ} (بضم التاء) » ا.هـ(5). أي أن الذي يعجب هو الله عز وجل.
قالأبو جعفرالنحَّاس (ت. 338 هـ) : «وهذا الذي قاله - أي شريح- لايلزم، وبضم التاء قرأ علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن عباس ...
فالله جل وعزالعالم بالأشياء، وبما يكون، ولكن لا يقع التعجب إلا بعد الكون. فهو منه جل وعلاخلافُه من الآدميين؛ لأنه قد علمه قبلُ وبعدُ»(6).
والصحيح أنه قد يقعالتعجب من المخلوقين حتى حال علمهم بالشيء، فمثلا: نحن نعلم أن عظمة الله عز وجلليس لها حدود، ولكن مع ذلك نحن نتعجب كلما نظرنا إلى السماء والنجوم وعجائب خلقالله عز وجل.
هذا الكلام (فالله جل وعزالعالم بالأشياء، وبما يكون، ولكن لا يقع التعجب إلا بعد الكون. فهو منه جل وعلاخلافُه من الآدميين؛ لأنه قد علمه قبلُ وبعدُ )
هذا تأويلو لا ادري هل من النحاس حسب الهامش أم من الصابوني الأشعري 4.
الاعتراض على بعضالصفات الواردة في الكتاب والسنة على أنها جارحة وأعضاء، كصفة اليد والقَدم، لم يكنمعروفا في عهد السلف رحمهم الله إلا عند أهل البدع كالجهمية وغيرهم، أما السلفالصالح فكانوا يؤمنون بها كما جاءت، ويقولون عن كل الصفات: «
أمروها كما جاءت بلاكيف»،
أي أمروها على ظاهرها دون السؤال عن تلك الصفة: كيفهي؟ بل يفوضون كيفيتها لله عز وجل. وكون اليد عضو وجارحة هو من كيفية صفاتالمخلوقين، والله ليس كمثله شيء، ويد الله عز وجل على كيفية لا تشبه كيفية صفاتالمخلوقين، وهي من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا هو سبحانه، وواجبنا الإيمانوالتسليم وهذا الكلام يدعو إلى تفويض المعنى (ويد الله عز وجل على كيفية لا تشبه(يجب ان نقول لا تماثل )كيفية صفاتالمخلوقين، وهي من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا هو سبحانه (هذا يناقض أمروها كما جاءت)، وواجبنا الإيمانوالتسليم) صح عن الصحابيعبد الله بن عباس (ت. 68هـ) –رضي الله عنهما-
أنه أنكر على من استنكر شيئا من نصوص الصفات بزعم أنالله منزه عما تدل عليه تلك الآيات أو الأحاديث؛ فروى عبد الرزاق في "مصنفه" ... أنطاووس بن كيسان قال: سمعت رجلاً يُحدث ابن عباس بحديث أبي هريرة : ”تحاجت الجنة والنار“، وفيه: ”فلاتمتلي حتى يضع رجله“ -أو قال: ” قدمه - فيها“؛فقام رجل فانتفض، فقال ابن عباس –رضي الله عنه- : « ما فَرَقُ هؤلاء؟! يجدون عند محكمه، ويهلكون عند متشابهه ». (7)
قال الحافظ
عثمان الدارمي (ت. 280 هـ) في رده على بِشر المريسي المعتزلي:
«فيقال لهذا المعارض: أما دعواك عليهم (أي أصحاب الحديث)
أنهم ثبتواله سمعا وبصرًا، فقد صدقت. وأما دعواك عليهم أنه كعينٍ وكسمعٍ فإنه كذب ادعيتعليهم؛ لأنه ليس كمثله شيء، ولا كصفاته صفة. وأما دعواك أنهم يقولون: "جارح مركب" فهذا كفر لا يقوله أحد من المسلمين، ولكنا نثبت له السمع والبصر والعين بلا تكييف،كما أثبته لنفسه فيما أنزل من كتابه، وأثبته له الرسول –صلى الله عليه وسلم-، وهذاالذي تكرره مرة بعد مرة: جارح وعضو وما أشبهه، حشو وخرافات، وتشنيع لا يقوله أحد منالعالمين: وقد روينا روايات السمع والبصر والعين في صدر هذا الكتاب بأسانيدهاوألفاظها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فنقول كما قال، ونعني بها كما عنىوالتكييف عنا مرفوع، وذكر الجوارح والأعضاء تكلف منك وتشنيع»(
.
الدرامي قال
(أنهم ثبتواله سمعا وبصرًا، فقد صدقت. وأما دعواك عليهم أنه كعينٍ وكسمعٍ فإنه كذب ادعيتعليهم؛ لأنه ليس كمثله شيء، ولا كصفاته صفة)
هنا المنفي التمثيل لأنه قال كعين وكسمع واستدل بالآية 5. لا
دليل من القرآن، أو السنة،أو أثر عن أحد من السلف على أن نصوص الصفات ليست على ظاهرها، ولا أن الصفات علىالمجاز وليس الحقيقة، ولا أن إثبات الصفات على الحقيقة تشبيه، بل إن الجهمية كانواينفون ويؤولون الصفات لاعتقادهم أن
إثباتها على الحقيقة تشبيه فسمَّاههم السلف: معطلة. أما قوله تعالى**ليس كمثله شيء}، فقد قال الحافظ
عثمان الدارمي رحمه الله: «
ونحن نقول كما قال ابن عباس: ليس لله مثل ولا شبه، ولا كمثلهشيء، ولا كصفاته صفة، فقولنا: **ليس كمثله شيء} أنه شيءأعظم الأشياء، وخالق الأشياء، وأحسن الأشياء، نور السموات والأرض. وقول الجهمية: **ليس كمثله شيء} يعنون أنه لا شيء ... واتخذوا قولهتعالى: **ليس كمثله شيء} دِلْسَةً على الجهال ليروجواعليهم بها الضلال، كلمةُ حق يبتغى بها باطل. ولئن كان السفهاء في غلط من مذاهبهم،إن الفقهاء منهم على يقين»(9).
قول ابن الدرامي (
ونحن نقول كما قال ابن عباس: ليس لله مثل ولا شبه، ولا كمثلهشيء، ولا كصفاته صفة، فقولنا: **ليس كمثله شيء} أنه شيءأعظم الأشياء، وخالق الأشياء، وأحسن الأشياء، نور السموات والأرض. وقول الجهمية**)
في هذا تصريح من ابن عباس أن التمثيل عنده والتشبيه بمعنى واحد لاستدلاله بالآية (ليس كمثله شيء) 6.
لو كان اعتقاد ظاهر النصوص تشبيهًا لحذر منه السلفالصالح، لأن الأصل في الكلام أن يكون على ظاهره، والناس يأخذون بظاهر الكلام ما لميرد دليل على أن الظاهر غير مُراد.
قال الحافظابن رجبالحنبلي (ت. 795 هـ) رحمه الله: «
وزعموا أن ظاهر مايدل عليه الكتاب والسنة تشبيه، وتجسيم، وضلال، واشتقّوا من ذلك -لمن آمن بما أنزلالله على رسوله- أسماء ما أنزلَ اللهُ بها من سلطان؛ بل هي افتراءٌ على الله،يُنفّرون بها عن الإيمان بالله ورسوله. وزعموا أنّ ما ورد في الكتاب والسنة من ذلك - مع كثرته وانتشاره - من باب التوسع والتجوز، وأنه يُحمل على مجازات اللغةالمستبعدة، وهذا من أعظم أبواب القدحِ في الشريعة المحكمةِ المُطهّرةِ، وهو من جِنسحَمْل الباطنية نصوصَ الإخبار عن الغُيوبِ؛ كالمعاد والجنة والنار على التوسعوالمجاز دون الحقيقة، وحملِهم نصوص الامر والنهي عن مثل ذلك، وهذا كله مروق عن دينالإسلام.
ولم ينه علماء السلف الصالح وأئمة الإسلام كالشافعي وأحمد وغيرهما عنالكلام، وحذّروا عنه، إلا خوفاً من الوقوع في مثل ذلك،
ولو علم هؤلاء الأئمة أن حملالنصوص على ظاهرها كفر لوجب عليهم تبيينُ ذلك وتحذير الأمة منه؛ فإن ذلك من تمامِنصيحةِ المسلمين ، فكيف كان ينصحون الأمة فيما يتعلق بالاحكام العملية ويَدَعوننصيحتَهم فيما يتعلق بأصول الاعتقادات، هذا من أبطلالباطل)(10).
7.
التشبيه يكون فيالكيفية، وليس في إثبات الصفة التي أثبتها الله لنفسه وأثبتها له رسوله -صلى اللهعليه وسلم- دون الخوض في كيفيتها؛ قالابن عبد البر المالكي (ت. 463 هـ) : (ومحال أن يكون من قال عن الله ما هو في كتابه منصوص مشبهاإذا لم يكيف شيئا وأقر أنه ليس كمثله شيء). (11)
قول ابن عبد البر (ومحال أن يكون من قال عن الله ما هو في كتابه منصوص مشبهاإذا لم يكيف شيئا وأقر أنه ليس كمثله شيء) التشبيه المنفي عنده هو التمثيل والدليل استدلاله بالآية تحقيق ابن تيمية ص:194 ]
سئل شيخ الإسلام ركن الشريعة أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية " - قدس الله روحه ونور ضريحه : - عن قول الله عز وجل : ** الرحمن على العرش استوى } وقوله صلى الله عليه وسلم ** ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا } هل الاستواء والنزول حقيقة أم لا ؟ وما معنى كونه حقيقة ؟ وهل الحقيقة استعمال اللفظ فيما وضع له كما يقوله الأصوليون أم لا ؟ وما يلزم من كون آيات الصفات حقيقة ؟ . الجواب
أما قول السائل: ما معنى كون ذلك حقيقة؟ فالحقيقة: هواللفظ المستعمل فيما وضع له، وقد يراد بها المعنى الموضوع للفظ الذي يستعمل اللفظ فيه.
فالحقيقة أو المجاز هي من عوارض الألفاظ في اصطلاح أهل الأصول، وقد يجعلونه من عوارض المعاني لكن الأول أشهر، وهذه الأسماء والصفات لم توضع لخصائص المخلوقين عند الإطلاق، ولا عند الإضافة إلى اللّه تعالى ولكن عند الإضافة إليهم.
فاسم العلم يستعمل مطلقًا، ويستعمل مضافًا إلى العبد، كقوله: {
شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18]، ويستعمل مضافًا إلى اللّه كقوله: {
وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء} [ البقرة:255]، فإذا أضيف العلم إلى المخلوق لم يصلح أن يدخل فيه علم الخالق سبحانه ولم يكن علم المخلوق كعلم الخالق، وإذا أضيف إلى الخالق كقوله: {
أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء:166] لم يصلح أن يدخل فيه علم المخلوقين، ولم يكن علمه كعلمهم.
وإذا قيل: العلم مطلقًا أمكن تقسيمه، فيقال: العلم ينقسم إلى العلم القديم والعلم المحدَث، فلفظ العلم عام فيهما، متناول لهما بطريق الحقيقة، وكذلك إذا قيل: الوجود ينقسم إلى قديم ومُحدَث وواجب وممكن، وكذلك إذا قيل في الاستواء: ينقسم إلى استواء الخالق واستواء المخلوق، وكذلك إذا قيل: الإرادة والرحمة والمحبة تنقسم إلى إرادة اللّه ومحبته ورحمته، وإردة العبد ومحبته ورحمته.
فمن ظن أن [الحقيقة] إنما تتناول صفة العبد المخلوقة المحدثة دون صفة الخالق، كان في غاية الجهل؛ فإن صفة اللّه أكمل وأتم وأحق بهذه الأسماء الحسنى، فلا نسبة بين صفة العبد وصفة الرب، كما لا نسبة بين ذاته وذاته، فكيف يكون العبد مستحقًا للأسماء الحسنى حقيقة، فيستحق أن يقال له: عالم قادر سميع بصير، والرب لا يستحق ذلك إلا مجازًا؟! ومعلوم أن كل كمال حصل للمخلوق فهو من الرب سبحانه وتعالى وله المثل الأعلى، فكل كمال حصل للمخلوق فالخالق أحق به، وكل نقص تنزه عنه المخلوق فالخالق أحق أن ينزه عنه؛ ولهذا كان للّه [المثل الأعلى]، فإنه لا يقاس بخلقه ولا يمثل بهم، ولا تضرب له الأمثال.
فلا يشترك هو والمخلوق في قياس تمثيل بمثل؛ ولا في قياس شمول تستوي أفراده، بل {
وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الروم: 27].
ومن الناس من يسمى هذه الأسماء [المشككة]؛ لكون المعنى في أحد المحلين أكمل منه في الآخر، فإن الوجود بالواجب أحق منه بالممكن، والبياض بالثلج أحق منه بالعاج، وأسماؤه وصفاته من هذا الباب؛ فإن اللّه تعالى يوصف بها على وجه لا يماثل أحدًا من المخلوقين وإن كان بين كل قسمين قدرٌ مشترك، وذلك القدر المشترك هو مسمى اللفظ عند الإطلاق، فإذا قيد بأحد المحلين تقيد به.
فإذا قيل: وجود وماهية وذات، كان هذا الاسم متناولًا للخالق والمخلوق، وإن كان الخالق أحق به من المخلوق، وهو حقيقة فيهما.
فإذا قيل: وجود اللّه وماهيته وذاته اختص هذا باللّه، ولم يبق للمخلوق دخول في هذا المسمى، وكان حقيقة للّه وحده.
وكذلك إذا قيل: وجود المخلوق وذاته اختص ذلك بالمخلوق وكان حقيقة للمخلوق.
فإذا قيل: وجود العبد وماهيته وحقيقته لم يدخل الخالق في هذا المسمى، وكان حقيقة للمخلوق وحده.
والجاهل يظن أن اسم الحقيقة إنما يتناول المخلوق وحده، وهذا ضلال معلوم الفساد بالضرورة في [العقول] و[الشرائع] و[اللغات]، فإنه من المعلوم بالضرورة أن بين كل موجودين قدرًا مشتركًا وقدرًا مميزًا، والدال على ما به الاشتراك وحده لا يستلزم ما به الامتياز، ومعلوم بالضرورة من دين المسلمين أن اللّه مستحق للأسماء الحسنى، وقد سمى بعض عباده ببعض تلك الأسماء، كما سمى العبد سميعًا بصيرًا، وحيًا وعليمًا، وحكيمًا، ورءوفا رحيمًا، وملكًا، وعزيزًا، ومؤمنًا، وكريمًا، وغير ذلك.
مع العلم بأن الاتفاق في الاسم لا يوجب مماثلة الخالق بالمخلوق، وإنما يوجب الدلالة على أن بين المسميين قدرًا مشتركًا فقط، مع أن المميز الفارق أعظم من المشترك الجامع.
وأما [اللغات] فإن جميع أهل اللغات من العرب والروم، والفرس، والترك، والبربر، وغيرهم يقع مثل هذا في لغاتهم، وهو حقيقة في لغات جميع الأمم، بل يعلمون أن اللّه أحق بأن يكون قادرًا فاعلًا من العبد، وأن استحقاق اسم الرب القادر له حقيقة أعظم من استحقاق العبد لذلك، وكذلك غيره من الأسماء الحسنى.
وقول الناس: إن بين المسميين قدرًا مشتركًا، لا يريدون بأن يكون في الخارج عن الأذهان أمر مشترك بين الخالق والمخلوق؛ فإنه ليس بين مخلوق ومخلوق في الخارج شيء مشترك بينهما، فكيف بين الخالق والمخلوق، وإنما توهم هذا من توهمه من أهل [المنطق اليوناني] ومن اتبعهم، حتى ظنوا أن في الخارج ماهيات مطلقة مشتركة بين الأعيان المحسوسة، ثم منهم من يجردها عن الأعيان كأفلاطون، ومنهم من يقول:لا تنفك عن الأعيان كأرسطو، وابن سينا، وأشباههما.
وقد بسطنا الكلام على ذلك في غير هذا الموضع، وبينا ما دخل على من اتبعهم من الضلال في هذا الموضع في [المنطق والإلهيات]، حتى إن طوائف من النظار قالوا: إنا إذا قلنا: إن وجود الرب عين ماهيته كما هو قول أهل الإثبات، ومتكلمة أهل الصفات: كابن كلاب، والأشعري وغيرهما يلزم من ذلك أن يكون لفظ [الوجود] مقولًا عليهما بالإشتراك اللفظي، كما ذكره أبو عبد اللّّه الرازي عن الأشعري، وأبي الحسين البصري وغيرهم؛ وليس هذا مذهبهم، بل مذهبهم: أن لفظ [الوجود] مقول بالتواطؤ، وأنه ينقسم إلى قديم ومُحدَث، مع قولهم: إن وجود الرب عين ماهيته، فإن لفظ الوجود عندهم كلفظ الماهية.
وكما أن الماهية والذات تنقسم إلى قديمة ومحدثة، وماهـية الـرب عـين ذاتـه، فكـذلك الوجود ينقسم إلى قديم ومحدث، ووجود الرب عين ذاته، ووجود العبد عين ذاته، وذات الشيء هي ماهيته.
فاللفظ من الألفاظ المتواطئة، ولكن بالإضافة يخص أحد المسميين، والمسميان إذا اشتركا في مسمى الوجود والذات والماهية، لم يكن بينهما في الخارج أمر مشترك يكون زائدًا على خصوصية كل واحد، كما يظنه أرسطو، وابن سينا، والرازي، وأمثالهم، بل ليس في الخارج وجود مطلق، ولا ماهية مطلقة، ولا ذات مطلقة.
أما المطلق بشرط الإطلاق فقد اتفق هؤلاء وغيرهم على أنه ليس بموجود في الخارج، وأن على تقدير ثبوته عن أفلاطون وأتباعه، هو قول باطل ضرورة.
وأما المطلق لا بشرط، فقد يظن أنه في الخارج وأنه جزء من المعين، وهذا غلط، بل ليس في الخارج إلا المعينات، وليس في الخارج مطلق يكون جزء معين، لكن هؤلاء يريدون بالجزء ما هو صفة ذاتية للموصوف؛ بناء على أن الموصوف مركب من تلك الصفات التي يسمونها الأجزاء الذاتية. كما يقولون: الإنسان مركب من الحيوان والناطق؛ أو من الحيوانية والناطقية، وهذا التركيب تركيب ذهني؛ فالماهية المركبة في الذهن مركبة من هذه الأمور وهي أجزاء تلك الماهية.
وأما الحقيقة الموجودة في الخارج فهي موصوفة بهذه الصفات، ولكن كثيرًا من هؤلاء اشتبه عليه الوجود الذهني بالخارجي، وهذا الغلط وقع كثيرًا في أقوال المتفلسفة، فأوائلهم كأصحاب فيثاغورس كانوا يقولون بوجود أعداد مجردة عن المعدودات في الخارج، وأصحاب أفلاطون يقولون: بوجود المثل الأفلاطونية، وهي الحقائق المطلقة عن المعينات في الخارج.
وهذه الحقائق مقارنة للمعينات في الخارج كما أثبتوا جواهر عقلية، وهي المجردات: كالمادة، والهيولى؛ والعقول والنفوس على قول بعضهم.
ومن هذا الباب تفريقهم بين الصفات الذاتية المتقدمة للماهية، التي تتركب منها الأنواع ويسمونها الأجناس والفصول، وبين الصفات العارضة اللازمة للماهية التي يسمونها خواصًا وأعراضًا عامة.
وهذه الخمسة هي الكليات؛ وهي الجنس، والفصل، والنوع، والعرض العام، والخاصة، وقد وقع بسبب ذلك من الغلط في [منطقهم] وفي [الإلهيات] ما ضل به كثير من الخلق، وقد نبهنا على ذلك في غير هذا الموضع بما لا يتسع له هذا الموضع؛ ولهذا كان لفظ المركب عندهم يقال على خمسة معان: على المركب من الوجود والماهية، والمركب من الذات والصفات، والمركب من الخاص والعام، والمركب من المادة والصورة، والقائلون بالجوهر الفرد يثبتون التركيب من الجواهر المفردة.
والمحققون من أهل العلم يعلمون أن تسمية مثل هذه المعاني تركيبًا أمر اصطلاحي، وهو إما أمر ذهني لا وجود له في الخارج، وإما أن يعود إلى صفات متعددة قائمة بالموصوف، وهذا حق.
فإن مذهب أهل السنة والجماعة: إثبات الصفات للّه تعالى بل صفات الكمال لازمة لذاته، يمتنع ثبوت ذاته بدون صفات الكمال اللازمة له، بل يمتنع تحقق ذات من الذوات عَرِيَّة عن جميع الصفات، وهذا كله مبسوط في غير هذا الموضع.
والمقصود هنا أنه إذا قيل:هذا إنسان، فالمشار إليه بهذا المسمى بإنسان، وليس الإنسان المطلق جزءًا من هذا، وليس الإنسان هنا إلا مقيدًا وإنما يوجد مطلقًا في الذهن؛ لا في الخارج.
وإذا قيل هذا في الإنسانية فالمعنى: أن بينهما تشابها فيها؛ لا أن هناك شيئًا موجودًا في الأعيان يشتركان فيه.
فليتدبر اللبيب هذا، فإنه يحل شبهات كثيرة، ومن فهم هذا الموضع تبين له غلط من جعل هذه الأسماء مقولة بالاشتراك اللفظي لا المعنوي، وغلط من جعل أسماء اللّه تعالى أعلامًا محضة لا تدل على معان، ومن زعم أن في الخارج حقائق مطلقة يشترك فيها الأعيان، وعلم أن ما يستحق الرب لنفسه لا يشركه فيه غيره بوجه من الوجوه، ولا يماثله شيء من المخلوقات في شيء من الصفات.
وأما المخلوق فقد يماثله غيره في صفاته، لكن لا يشركه في غير ما يستحقه منها، والأسماء المتواطئة المقولة على هذا وهذا حقيقة في هذا وهذا؛ فإذا كانت عامة لهما تناولتهما، وإن كانت مطلقة لم يمنع تصورهما من اشتراكهما فيها، وإن كانت مقيدة اختصت بمحلها.
فإذا قال: وجود اللّه، وذات اللّه، وعلم اللّه، وقدرة اللّه، وسمع اللّه، وبصر اللّه، وأرادة اللّه، وكلام اللّه، ورحمة اللّه، وغضب اللّه واستواء اللّه، ونزول اللّه، ومحبة اللّه، وإرادة الله ونحو ذلك، كانت هذه الأسماء كلها حقيقة للّه تعالى من غير أن يدخل فيها شيء من المخلوقات، ومن غير أن يماثله فيها شيء من المخلوقات.
وإذا قال: وجود العبد وذاته، وماهيته، وعلمه، وقدرته، وسمعه، وبصره، وكلامه، واستواؤه، ونزوله، كان هذا حقيقة للعبد مختصة به، من غير أن تماثل صفات اللّه تعالى.
بل أبلغ من ذلك أن اللّه أخبر أن في الجنة من المطاعم والمشارب والملابس والمناكح، ما ذكره في كتابه، كما أخبر أن فيها لبنا، وعسلًا، وخمرًا، ولحمًا، وحريرًا، وذهبًا، وفضة، وحورًا، وقصورًا، ونحو ذلك، وقد قال ابن عباس: ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء.
فتلك الحقائق التي في الآخرة ليست مماثلة لهذه الحقائق التي في الدنيا، وإن كانت مشابهة لها من بعض الوجوه، والاسم يتناولها حقيقة، ومعلوم أن الخالق أبعد عن مشابهة المخلوق، فكيف يجوز أن يظن أن فيما أثبته اللّه تعالى من أسمائه وصفاته مماثلا لمخلوقاته؟ وأن يقال: ليس ذلك بحقيقة، وهل يكون أحق بهذه الأسماء الحسنى والصفات العليا من رب السموات والأرض؟! مع أن مباينته للمخلوقات أعظم من مباينة كل مخلوق.
والجاهل يضل بقول المتكلمين:إن العرب وضعوا لفظ الاستواء لاستواء الإنسان على المنزل أو الفلك، أو استواء السفينة على الجودي، ونحو ذلك من استواء بعض المخلوقات، فهذا كما يقول القائل: إنما وضعوا لفظ السمع والبصر والكلام لما يكون محله حدقة وأجفانا وأصمخة وأذنًا وشفتين، وهذا ضلال في الشرع وكذب، وإنما وضعوا لفظ الرحمة والعلم والإرادة لما يكون محله مضغة لحم وفؤاد، وهذا كله جهل منه.
فإن العرب إنما وضعت للإنسان ما أضافته إليه، فإذا قالت: سمع العبد، وبصره، وكلامه، وعلمه، وإرادته، ورحمته، فما يخص به يتناول ذلك خصائص العبد.
وإذا قيل: سمع اللّه وبصره، وكلامه وعلمه، وإرادته ورحمته، كان هذا متناولًا لما يخص به الرب، لا يدخل في ذلك شيء من خصائص المخلوقين، فمن ظن أن هذا الاستواء إذا كان حقيقة يتناول شيئًا من صفات المخلوقين مع كون النص قد خصه باللّه، كان جاهلًا جدًا بدلالات اللغات، ومعرفة الحقيقة والمجاز.
وهؤلاء الجهال يمثلون في ابتداء فهمهم صفات الخالق بصفات المخلوق، ثم ينفون ذلك ويعطلونه، فلا يفهمون من ذلك إلا ما يختص بالمخلوق، وينفون مضمون ذلك، ويكونون قد جحدوا ما يستحقه الرب من خصائصه وصفاته، وألحدوا في أسماء اللّه وآياته، وخرجوا عن القياس العقلي والنص الشرعي، فلا يبقى بأيديهم لا معقول صريح ولا منقول صحيح، ثم لابد لهم من إثبات بعض ما يثبته أهل الإثبات من الأسماء والصفات.
فإذا أثبتوا البعض ونفوا البعض قيل لهم: ما الفرق بين ما أثبتموه ونفيتموه؟ ولم كان هذا حقيقة ولم يكن هذا حقيقة؟ لم يكن لهم جواب أصلا، وظهر بذلك جهلهم وضلالهم شرعًا وقدرًا.
وقد تدبرت كلام عامة من ينفي شيئًا مما أثبته الرسل من الأسماء والصفات، فوجدتهم كلهم متناقضين؛ فإنهم يحتجون لما نفوه بنظير ما يحتج به النافي لما أثبتوه، فيلزمهم إما إثبات الأمرين وإما نفيهما، فإذا نفوهما فلا بد لهم أن يقولوا بالواجب الوجود وعدمه جميعًا.
وهذا نهاية هؤلاء النفاة الملاحدة الغلاة من القرامطة وغلاة المتفلسفة، فإنهم إذا أخذوا ينفون النقيضين جميعًا، فالنقيضان كما أنهما لا يجتمعان، فلا يرتفعان.
ومن جهة أن ما يسلبون عنه النقيضين لابد أن يتصوروه وأن يعبروا عنه؛ فإن التصديق مسبوق بالتصور، ومتى تصوروه وعبروا عنه كقولهم: الثابت والواجب أو أي شيء قالوه، لزمهم فيه من إثبات القدر المشترك نظير ما يلزمهم فيما نفوه، ولا يمكن أن يتصور شيء من ذلك مع قولهم: أسماء اللّه مقولة بالاشتراك اللفظي فقط.
فإن المشتركين اشتراكًا لفظيًا لا معنويًا كلفظ [المشتري] المقول على الكوكب والمبتاع، وسهيل المقول على الكوكب وعلى ابن عمرو، فإنه إذا سمع المستمع قائلًا يقول له: جاءني سهيل بن عمرو، وهذا هو المشتري لهذه السلعة، لم يفهم من هذا اللفظ كوكبًا أصلًا، إلا أن يعرف أن اللفظ موضوع له، فإذا لم تكن أسماؤه متواطئة لم يفهم العباد من أسمائه شيئًا أصلًا، إلا أن يعرفوا ما يخص ذاته، وهم لم يعرفوا ما يخص ذاته، فلم يعرفوا شيئًا.
ثم إن العلم بانقسام الوجود إلى قديم ومحدث وأمثال ذلك علم ضروري، فالقادح سفسطائي.
وكذلك العلم بأن بين الاسمين قدرًا مشتركًا علم ضروري.
وإذا قيل: إن اللفظ حقيقة فيهما، لم يحتج ذلك إلى أن يكون أهل اللغة قد تكلموا باللفظ مطلقًا، فعبروا عن المعنى المطلق المشترك؛ فإن المعاني التي لا تكون إلا مضافة إلى غيرها: كالحياة والعلم، والقدرة والاستواء؛ بل واليد وغير ذلك مما لا يكون إلا صفة قائمة بغيره أو جسما قائمًا بغيره بحيث لا يوجد في الخارج مجردًا عن محله.
ولكن أهل النظر لما أرادوا تجريد المعاني الكلية المطلقة عبروا عنها بالألفاظ الكلية المطلقة، وأهل اللغة في ابتداء خطابهم يقولون مثلا : جاء زيد، وهذا وجه زيد؛ ويشيرون إلى ما قام به من المجيء والوجه، فيفهم المخاطب ذلك.
ثم يقولون تارة أخرى: جاء عمرو، ورأيت وجه عمرو، وجاء الفرس، ورأيت وجه الفرس، فيفهم المستمع أن بين هذه قدرًا مشتركًا وقدرًا مميزًا، وأن لعمرو مجيئًا ووجهًا نسبته إليه كنسبة مجيء زيد ووجهه إليه، فإذا علم أن عمرًا مثل زيد، علم أن مجيئه، مثل مجيئه، ووجهه مثل وجهه، وإن علم أن الفرس ليست مثل زيد بل تشابهه من بعض الوجوه، علم أن مجيئها ووجهها ليس مجيء زيد ووجهه، بل تشبهه في بعض الوجوه.
وكذلك إذا قيل: جاءت الملائكة ورأت الأنبياء وجوه الملائكة، علم أن للملائكة مجيئًا ووجوهًا نسبتها إليها كنسبة مجيء الإنسان ووجهه إليه، ثم معرفته بحقيقة ذلك تبع معرفته بحقيقة الملائكة؛ فإن كان لا يعرف الملائكة إلا من جهة الجملة ولا يتصور كيفيتهم، كان ذلك في مجيئهم ووجوههم لا يعرفها إلا من حيث الجملة ولا يتصور كيفيتها.
وكذلك إذا قيل: جاءت الجن، فاللفظ في جميع هذه المواضع يدل على معانيها بطريق الحقيقة، بل إذا قيل: حقيقة الملك وماهيته ليست مثل حقيقة الجني وماهيته كان لفظ الحقيقة والماهية مستعملًا فيهما على سبيل الحقيقة، وكان من الأسماء المتواطئة، مع أن المسميات قد صرح فيها بنفي التماثل.
وكذلك إذا قيل: خمر الدنيا ليس كمثل خمر الآخرة، ولا ذهبها مثل ذهبها، ولا لبنها مثل لبنها، ولا عسلها مثل عسلها، كان قد صرح في ذلك بنفي التماثل، مع أن الاسم مستعمل فيها على سبيل الحقيقة.
ونظائر هذا كثيرة؛ فإنه لو قال القائل: هذا المخلوق ما هو مثل هذا المخلوق، وهذا الحيوان الذي هو الناطق ليس مثل الحيوان الذي هو الصامت، أو هذا اللون الذي هو الأبيض ليس مثل الأسود، أو الموجود الذي هو الخالق ليس هو مثل الموجود الذي هو المخلوق، ونحو ذلك كانت هذه الأسماء مستعملة على سبيل الحقيقة في المسميين اللذين صرح بنفي التماثل بينهما، فالأسماء المتواطئة إنما تقتضي أن يكون بين المسميين قدرًا مشتركًا، وإن كان المسميان مختلفين أو متضادين.
فمن ظن أن أسماء اللّه تعالى وصفاته إذا كانت حقيقة، لزم أن يكون مماثلًا للمخلوقين، وأن صفاته مماثلة لصفاتهم كان من أجهل الناس، وكان أول كلامه سفسطة، وآخره زندقة؛ لأنه يقتضي نفي جميع أسماء اللّه تعالى وصفاته، و هذا هو غاية الزندقة والإلحاد.
ومن فرق بين صفة وصفة، مع تساويهما في أسباب الحقيقة والمجاز، كان متناقضًا في قوله، متهافتًا في مذهبه، مشابهًا لمن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض.
وإذا تأمل اللبيب الفاضل هذه الأمور، تبين له أن مذهب السلف والأئمة في غاية الاستقامة والسداد، والصحة والاطراد، وأنه مقتضى المعقول الصريح والمنقول الصحيح، وأن من خالفه كان مع تناقض قوله المختلف، الذي يؤفك عنه من أفك، خارجًا عن موجب العقل والسمع، مخالفًا للفطرة والسمع، واللّه يتم نعمته علينا وعلى سائر إخواننا المسلمين المؤمنين، ويجمع لنا ولهم خير الدنيا والآخرة.
وهذا لا تعلق له بصفات اللّه تعالى قال بعضهم: قد قال اللّه تعالى: {
وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً} [الأعراف: 148]، فقد ذم اللّه من اتخذ إلهًا جسدًا، و[الجسد] هو الجسم؛ فيكون اللّه قد ذم من اتخذ إلهًا هو جسم.
وإثبات هذه الصفات يستلزم أن يكون جسمًا، وهذا منتف بهذا الدليل الشرعي.
.............................. .....الباقي
مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية - المجلد الخامس (العقيدة)