وسائل الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى
وسائل الدعوة
إلى الله سبحانه وتعالى
معنى الوسيلة:
الوسيلة
في أصل اللغة هي المنزلة عند الملك، والدرجة والقربة، وقال الجوهري:
الوسيلة ما يتقرب به إلى الغير،والجمع الوسل، والوسائل. (لسان العرب).
وتطلق في العرف والاستعمال الشائع على كل ما يتخذ وصولاً إلى غاية..
والمقصود بالوسيلة هنا: كل أمر وطريقة مشروعة وأسلوب وآلة يمكن اتخاذه وصولاً إلى نشر الدين، وتبليغه، وتعليمه، والدعوة إلى الإسلام.
حكم الوسيلة في الدعوة إلى الله:
كل
وسيلة أمر بها الله سبحانه وتعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم أو وفق الله
إليها المسلمون في أي عصـر من عصورهم.. فهي وسيلة مشروعة ما لم يأت في
الشرع ما يحرمها، فالأصل في هذه الوسائل الإباحة، وقد تجب الوسيلة إذا كانت
مما لا يقوم الواجب إلا به كما هو مقرر في أصول الفقه (ما لا يتم الواجب
إلا به فهو واجب)..
فإذا وجب قتال الكفار ودفعهم، ولم يمكن ذلك إلا بسلاح يمكن المسلمين من دفعهم وجب تحصيل هذا السلاح واستعماله..
وهكذا
الأمر في رد الشبهات، وإنكار المنكرات و إبلاغ دين الله إلى العالمين، فكل
وسيلة لم يأت الشرع بتحريمها بعينها، فهي مشروعة من أجل القيام بهذه
الواجبات..
قال شيخنا عبدالعزيز بن باز حفظه الله: "ونظراً إلى انتشار
الدعوة إلى المبادئ الهدامة وإلى الإلحاد، وإنكار رب العباد، وإنكار
الرسالات، وإنكار الآخرة، وانتشار الدعوة النصرانية في الكثير من البلدان،
وغير ذلك من الدعوات المضللة، نظراً إلى هذا فإن الدعوة إلى الله عز وجل
اليوم أصبحت فرضاً عاماً وواجباً على جميع العلماء، وعلى جميع الحكام الذين
يدينون بالإسـلام، فرض عليهم أن يبلغوا دين الله حسب الطاقة والإمكان
بالكتابة، والخطابة، والإذاعـة، وبكل وسيلة استطاعوا، وأن لا يتقاعسوا عن
ذلك أو يتكلوا على زيد أو عمرو، فإن الحاجة بل الضرورة ماسة اليوم إلى
التعاون والاشتراك والتكاتف في هذا الأمر العظيم أكثر مما كان قبل ذلك لأن
أعداء الله قد تكاتفوا وتعاونوا بكل وسيلة للصد عن سبيل الله عز وجل، فوجب
على أهل الإسلام أن يقابلوا هذا النشاط المضل، وهذا النشاط الملحد بنشاط
إسلامي وبدعوة إسلامية على شتى المستويات، وبجميع الوسائل وبجميع الطرق
الممكنة، وهذا من باب أداء ما أوجب الله على عباده من الدعوة إلى سبيله"
(الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة ص/18).
ويقول شيخنا محمد الصالح
العثيمين : "ليس للوسائل حد شرعي فكل ما أدى إلى المقصود فهو مقصـود، ما لم
يكن منهياً عنه بعينه، فإن كان منهياً عنه بعينه فلا نقر به، فلو قال: أنا
أريد أن أدعو شخصاً بالغناء والموسيقا لأنه يطرب لها ويستأنس بها وربما
يكون هذا جذباً له فادعوه بالموسيقا والغناء هل نبيح له ذلك؟ لا لا يجوز
أبداً، لكن إذا كانت وسيلة لم ينه عنها ولها أثر فهذه لا بأس بها، فالوسائل
غير المقاصد وليس من اللازم أن ينص الشرع على كل وسيلة بعينها، يقول هذه
جائزة وهذه غير جائزة، لأن الوسائل لا حصر لها، ولا حد لها، فكل ما كان
وسيلة لخير فهو خير" (لقاء الباب المفتوح 15/49).
حكم الوسائل التي تختلط فيها المصالح والمفاسد:
الوسائل
التي تختلط فيها المصالح والمفاسد. كتولي الولايات في ظل الحكومات
المعاصرة، والدخول إلى المجالس التشريعية في ظل الأنظمة المسماة
بالديمقراطية، والدخول إلى الاتحادات والنقابات العمالية والمهنية، ونحو
ذلك..
ينظر دائماً فيها إلى المصالح والمفاسد فإذا رجحت المصالح على
المفاسد كان اتخاذ هذه الوسيلة مشروعاً وإذا ترجحت المفاسد تركت هذه
الوسيلة، ولا شك أن تقدير المصالح والمفاسد إنما هو بميزان الشرع لا بميزان
الهوى والمصالح الدنيوية.. ويختلف الحكم من بلد إلى بلد ومن وقت إلى آخر.
ولا
يجوز تحريم وسيلة من هذه الوسائل بدعوى أن وسائل الدعوة لا بد وأن يكون قد
جرى عليها عمل السلف الصالح.. فإن في كل عصر تتطور وسائل الناس ووسائل
الاتصال بينهم كما تتطور أسلحة الحرب والدمار، ويجب أن يجابه العدو
بالوسيلة التي تكافئ وسائله، وتدفع عدوانه عن المسلمين بما يندفع به،
والحرب الإعلامية شأنها كالحرب العسكرية..
حكم الوسائل المحرمة:
وكل
ما حرمه الله سبحانه وتعالى فلا يجوز استخدامه في الدعوة إلى الله، ولو
أدى إلى نفع المسلمين، وذلك كالقصص المكذوب، والحكايات الملفقة والأحاديث
الموضوعة للمبالغة في الترغيب والترهيب، فإن هذه الأساليب وإن كان تفيد
أحياناً في توبة بعض العصاة، وهداية بعض الناس إلا أن هذا من الكذب الذي
حرم الله أصله.
أعظم الوسائل في الدعوة إلى الله:
(1) تعلم القرآن وتعليمه ونشره:
أعظم
وسيلة للدعوة إلى الله هي تعلم القرآن وتعليمه، ونشره، فهو الكتاب المعجز
الذي لا يمحوه الماء وهو الذي قال فيه رسـول الله صلى الله عليه وسلم: [ما
من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت
وحياً أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة]!! (متفق
عليه).
فكثرة اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم إنما مرده إلى هذا القرآن
الذي يقطع العذر، ويدمغ الباطل، ينفذ إلى القلوب ويدمع العين ويحيي موات
القلوب، وينير البصائر. قال تعالى: {وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما
كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من
عبادنا.. وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله..} (الشورى:52).
فالعناية بكتاب الله حفظاً وفقهاً وتعليماً، ونشراً وترجمة لمعانيه من أكبر أسباب الهداية ونشر الإسلام في العالمين..
وقد
أمرنا الله أن نجاهد به الكفار فقال تعالى: {ولو شئنا لبعثنا في كل قرية
نذيراً* فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبيراً} (الفرقان:51-52)..
(2) إعلاء منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم في الأمة، ونشر كتب السنة:
الوسيلة
الثانية من الوسائل العظمى في الدعوة إلى الله هي إعلاء منزلة رسول الله
صلى الله عليه وسلم في الأمة، ونشر كتب السنة، ورفعه ليكون هو الأسوة
والقدوة لكل مسلم.
فلا يجوز أن يخلو بيت مسلم من أصل من الأصول الصحيحة
لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاصة صحيحي البخاري ومسلم اللذين هما
أصح كتابين بعد كتاب الله سبحانه وتعالى..
فالعناية بنشر صحيح السنة
وتعليمها، والتفقه فيها، وتدريس سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعله
ماثلاً في العيان أمام كل مسلم ليأتسي به في حركاته وسكناته في إيمانه
ويقينه وصبره، وجهاده، وعبادته، بل في سمته، وهديه، ومخرجه ومدخله..
هذه العناية بالسنة علماً ونشراً هي من أبلغ وسائل الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى..
الإمام المسلم الداعي إلى الله:
قيام
الإمام المسلم بما أوصى به الله سبحانه وتعالى عليه، والدعوة.. والأمر
بالمعروف، والنهي عن المنكر من أعظم الوسائل التي ينتشر بها الدين، ويتحقق
بها أهداف الرسالة، كما قال عثمان بن عفان رضي الله عنه : (إن الله ليزع
بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)..
ومن أجل ذلك جعل الله الخلافة في الأرض
لمن يقوم بهذه المهمة فقال جل وعلا: {الذين إن مكناهـم في الأرض أقاموا
الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور}
(الحج:41).
تجنيد الأمة كلها في الدعوة إلى الله:
الوسيلة
العظمى الثانية بعد كتاب الله هي تجنيد الأمة كلها لتقوم بما فرض الله
عليها في حمل رسالة الإسلام وتبليغها كما قال تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون
إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} (آل
عمران:104).
وقال: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون
عن المنكر وتؤمنون بالله} (آل عمران:110).. وقال تعالى:{يا أيها الذين
آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون* وجاهدوا في
الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم
إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم
وتكونـوا شهـداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو
مولاكم فنعم المولى ونعم النصير} (الحج:77-78).
وقال صلى الله عليه
وسلم: [بلغوا عني ولو آية] (رواه البخاري).. وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً
: [نضر الله امرءاً سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه فرب مبلغ أوعى من سامع]
(رواه أحمد والترمذي وابن حبان وصححه الألباني في الجامع 6764).
فيجب أن تهب الأمة بكاملها لنشر الدين، وإبلاغ رسالة الله للعالمين، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور.
العلماء العاملون المربون:
الوسيلة
الرابعة العظيمة في الدعوة إلى الله هي وجود العلماء العاملين المربين إذ
هم حياة الأمة، ونورها وقادتها وأولو الأمر فيها، فالعناية بوجود هؤلاء
العلماء من أعظم ما ينفع أمة الإسلام.
والطريق إلى وجودهم يبدأ بتعليم
النابهين والأذكياء من أطفال المسلمين بدءً بحفظ القرآن الكريم، ومتون علوم
الإسلام ثم تهيئة الجو المناسب، لتفقههم، وزكاة نفوسهم، وتفرغهم لعمل
الدعوة والتعليم، والتوجيه، وقد عز سلفنا الصالح رضوان الله عليهم عندما
كان للعلماء فيهم مكانتهم فقد كانت الشعوب والعامة تسير في ركابهم، وتأتمر
بأمرهم..
وترى أن سلطانهم أعز من سلطان الملوك، وهذا عبدالله بن
المبارك -رحمه الله- يدخل بغداد فينجفل الناس إليه وتقول امرأة لهارون
الرشيد وقد رأت خروج بغداد كلها لاستقباله : "هذا والله الملك لا ملك
هارون" (البداية والنهاية 10/178).
إحياء مهمة المسجد:
ومن
الوسائل الناجحة في الدعوة إلى الله إحياء مهمة المسجد، وذلك بالحث على
الجمع والجماعات، والجلوس لقراءة القرآن ومدارسته، وتعلم العلم وذكـر الله
سبحانه، كما كان الشأن في مسجد رسـول الله صلى الله عليه وسلم ثم في
المساجد التي أشرق فيها نور الإسلام، وأخرجت أجيالاً من العلماء والدعاة في
العصور الزاهرة، كمساجد بغداد أيام العباسيين التي قيل فيها: "من أراد أن
يرى عز الإسلام فليصل الجمعة ببغداد"!!
وقـد حزر من يصلون الجمعة فيها أيام المنصور فكانوا نحواً من خمسة آلاف ألف. أي خمسة ملايين..
إن
مثل هذا المشهد وحده يملأ قلب المسلم عزاً بالإسلام، ويكسر قلوب أعداء
الله كما قال الله في شأن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: {ومثلهم في
الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ
بهم الكفار} (الفتح:21)..
وقد خرَّج الحرم المكي والمسجد النبوي،
والأزهر، والزيتونة على الدوام آلاف الآلاف من حملة العلم الشرعي الذين
كانوا نور الأمة وعزها، ومجدها.
إخراج الزكاة والصدقات، والاهتمام بأعمال البر والخير:
إخراج
الزكاة، والصدقات، والاهتمام بأعمال البر، وعمل الخير إلى جانب كونها في
ذاتها قربة عظيمة إلى الله، وأداءً للحق الواجب في مال الله فهي من أعظم
أسباب نشر الإسلام، والدعوة إلى الله وتثبيت المسلمين، وتأليف القلوب على
الإسلام..
شهر رمضان شهر الدعوة إلى الله والهداية:
شهر
رمضان شهر مبارك، وإذا كان الله سبحانه قد أوجب فيه الصوم، فإن هذا الشهر
وما يكتنفه من أسباب الخير هو من أعظم شهور السنة بركة في الدعوة إلى الله
وهداية العصاة، ففيه تصفد مردة الشياطين، وتفتح أبواب الجنة، وتغلق أبواب
النار، ويقرأ القرآن آناء الليل وأطراف النهار، ويجود فيه المسلمون
الصالحون بصدقاتهم، ويشغل الصالحون نهارهم بالصوم وليلهم بالعبادة.. وكل
ذلك يدفع في النهاية إلى توبة كثير من العصاة، وهذا الشهر فرصة عظيمة، يجب
أن يغتنمها الدعاة في الدعوة إلى الله، وقد يكسبون من المهتدين مالا يحصلون
على مثله طيلة العام..
الحج والدعوة إلى الله:
الحج
من الوسائل العظمى في الدعوة إلى الله، فهو جمع لجمهور عظيم من المسلمين
من كل فج عميق إلى مكان واحد يؤدون عبادة واحدة، ويذكرون الله بأذكار هي
كليات الإسلام وأصوله: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد
والنعمة لك والملك لا شريك لك..
وهـذه التلبية تضمنت غاية الدين وهدفه
وعقيدته العظمى، ولا شك أن من فهم هذه التلبية وعلم معناها واعتقدها، وعمل
بمقتضاها فهم أصل الإسلام الأصيل: [من قال لا إله إلا الله مخلصاً دخل
الجنة] (رواه أحمد، وابن حبان في صحيحه، وأبو نعيم في الحلية وصححه
الألباني في الجامع 6433).
وقد كان الحج وما زال من أعظم الوسائل في
التعريف بالإسلام وتوحيد الأمة، وجمع الكلمة، ونشر الدين كما قال تعالى:
{وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق
ليشهدوا منافع لهم} (الحج:27-28).
وتعلم الإسلام، والتفقه في الدين، وجمع كلمة المسلمين من أعظم منافع الحج.
الجماعات الدعوية:
جماعـة
الدعوة وسيلة عظيمة للدعوة إلى الله فهي من باب التعاون على البر والتقوى،
ولا شك أن الدعوة إلى الله ونشر دينه، وإعلاء كلمته سبحانه وتعالى هو أعظم
البر والتقوى فإذا قامت هـذه الجماعة الدعوية على الكتاب والسنة، والنصح
لكل مسلم، وأن تقول الحق لا تخاف في الله لومة لائم، ونظمت صفوفها، ووحدت
كلمتها، وجعلت جهادها نصراً للدين، وإعلاءً لكلمة الله في الأرض، وأعـزها
الله ونصرها كما قال تعالى :{ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز}
(الحج:40).
ولا شك أن جهود جماعة مؤتلفة في الدعوة إلى الله خير من جهود أعدادهم متفرقين..
المؤسسات التعليمية:
المؤسسات
التعليمية وسيلة عظيمة في الدعوة إلى الله (فالكتّاب الصغير، ومركز تحفيظ
القرآن، والمدرسة، والجامعة، والمعهد) هذه المؤسسات التعليمية إذا تيسر
فيها المنهج الدراسي الجيد لدراسة الإسلام، والمعلمون المخلصون العالمون
المربون، والنظام الجيد، فإن هذا يخرج أجيالاً من حملة الدين وعلماء الملة،
وقادة الأمة.
الآلات الإعلامية:
مكن
الله بالعلم الحديث الإنسان من استخدام آلات ووسائل بالغة التأثير يمكن
للإنسان بواسطتها أن يسمع الألوف المؤلفة في وقت واحد، وأن يقرأ الملايين
من الناس مقالة رجل واحـد في وقت واحد.. فجهاز التلفاز الذي يستطيع أن يراه
أكثر من مائة مليون في وقت واحد بل عدة مئات من الملايين، والصحف السيارة
التي تطبع في أماكن عديدة من العالم في وقت واحد، وجهاز المذياع الذي تسمع
منه الرسالة الواحدة في كل أرجاء الدنيا في وقت واحد!!
إن هذه الآلات
الضخمة أصبحت بالغة التأثير.. ولا مجال لمقارنتها مع الوسائل القديمة حيث
كان يعتمد الخطيب أو المتكلم على صوته أو مكبر للصوت يسمع بضعة مئات أو
آلاف من الناس.
أما اليوم فيستطيع نصف سكان الأرض وأكثر من ذلك أن يسمعوا رجلاً واحداً يخطبهم أو يعظهم أو يذكرهم، أو ينشر الشر والفساد بينهم.
وهذه
الآلات الخطيرة أصبحت في الحرب الإعلامية تفعل فعل الأسلحة الخطيرة، وقد
شبه التلفزيون بالقنبلة الذرية.. فإن خطـره في كل بيت، بل ويدخل إلى الغرف
المغلقة، ويهجم على العوائق وذوات الخدور، فالرسالة الإعلامية الفاسدة تدمر
الرجال والنساء والأطفال..
ولا سبيل إلى مقاومة هذا الشر العظيم إلا
بما يماثل ذلك من استخدام هذه الآلات.. فكما لا يمكن مقاومـة عدو يستعمل
سل(هذه كلمة غير محترمة تم حذفها تلقائياً)ً فتاكاً إلا بمثل سلاحه.. فكذلك في الحرب العقائدية لا بد من وسائل
تكافئ وسائل الخصوم، وإلا كانت الهزيمة والضياع.
الوسائل في الدعوة إلى الله كثيرة جداً:
ولا شك أن الوسائل التي يمكن أن يبلغ بها دين الله، وينشر بواسطتها الخير كثيرة جداً..
فالاتصال
الفردي وسيلة عظيمة، وقد كـان أول وسيلة دعا بها رسول الله صلى الله عليه
وسلم، ودخل خيار أصحابه في الإسلام عن طريقها فقد آمن أبو بكر رضي الله
عنه، وعلي رضي الله عنه، والسيدة خديجة رضي الله عنها، وزيد بن حارثـة رضي
الله عنه، لما عرض النبي عليهم الإسـلام، قبل أن يسمعوا خطبة أو يحضروا
درساً، وآمن بدعوة أبي بكر (الفردية) عدد كبير جداً من الصحابة. (وهذا في
الاتصال الفردي).
ومن الوسائل الدعوة إلى الطعام، واستخدام الولاء
القبلي كما فعله سعد بن عبادة، وأسيد بن خضير، فقد دعا كل منهما قبيلته
-وهو شيخها- فدخلوا جميعاً في الإسلام في ليلة واحدة.
ومن الوسائل
النافعة حمل الدعوة مع التجارة فقد دخل بدعوة التجار المسلمين أمم وشعوب
كثيرة، وكذلك السياحة، والمراسلات، والمناظرات، واستغلال المناسبات
الاجتماعية كحفلات الزواج، والجنائز.. هذا عدا عن الدروس العلمية،
والخطابة، وإنشاء الشعر والأدب..
والخلاصة: أنه يمكن لكل أحد أن يدعو
إلى الله وأن يبلغ الحق وينشر الخير حتى ولو كان ممن لا يستطيع أن يحفظ
العلم ويؤديه كما سمعه، فإنه يستطيع أن ينشر الكتاب، والشريط ويدل على
الخير، وأن يكثر سواد الدعاة إلى الله بمصاحبتهم فضلاً عما ينفعه الله به
من صحبتهم..
* خاتمة:
هذا بحمد الله ما تيسر لي جمعه في أصول
وقواعد الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى سائلاً جل وعلا أن يوفق المسلمين إلى
القيام بهذا الواجب العظيم الذي جعلهم الله به خير أمة أخرجت للناس قال
تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر
وتؤمنون بالله}.
ونسأله تعالى أن يسلكنا في عداد الداعين إليه والمجاهدين في سبيله وأن يجعل عملنا كله له خالصاً